الحياة الثانية بعد رحيل الإنسان من هذه الحياة هي الذكر الطيب، فكم من أناس رحلوا عنا منذ مئات السنين سواء كانوا علماء أو محسنين أو من الأخيار والصالحين كأنهم يعيشون معنا، حيث تُروى سيرهم وقصصهم وحكاياتهم وتُروى مآثرهم وصفاتهم؛ وذلك عن طريق كثير من السير والتراجم، وكما قال الشاعر: قد مات قوم وما ماتت فضائلهم وعاش قوم وهم في الناس أموات ويكفي من فأل الذكر الطيب والسمعة الحسنة أنه إذا ذكر في أي وقت أن يدعى له بالرحمة والمغفرة، وشخصيتنا هذه توفت منذ ثلاثين عاماً لكن ذكره ما زال طيباً، ألا وهو عبدالله بن عبدالكريم بن شومر، عُرف بمكارم الأخلاق وبذل الخير والمعروف لمن يعرف وبالذات لذوي رَحِمَه، ويا سعادة من إحسانه لذوي رحمه، وقد كان عبدالله الشومر من هؤلاء الواصلين لرحمه بالإحسان، بل باذلاً جاهه عند ولاة الأمور لمن لجأ إليه، حيث كان من الموظفين في الدولة منذ أن كان عمره 16 عاماً بدايةً من الملك عبدالعزيز حتى أبنائه الملوك في الحرس الملكي. وُلد عبدالله بن عبدالكريم بن صالح بن شومر في حائل عام 1325ه، كما يذكر ابنه الأستاذ فهد في نبذته التي كتبها عن والده، عاش ببلدته مع أسرته آل شومر التي هي من الأسر القديمة والشهيرة في حائل، وكانت ولادته قبل استيلاء الملك عبدالعزيز على حائل، وكان والده قد توفى وهو صغير السن، نشأ الوجيه مع أسرته آل شومر وأخذ عن أعمامه كل مكرمة وخُلق كريم، فلقد رباه عمه إسماعيل بن شومر -رحمه الله- الذي كان منزله في حائل مقصداً ومضيفاً للناس، بل أنه لقب بأبي الأيتام؛ لأنه قد كفل الأيتام من أسرته وذوي رحمه، وتلك هي أعظم مكرمة وخصلة بها سعادة الدنيا والآخرة، فكافل اليتيم هو رفيق سيد البشر صلى الله عليه وسلم في الجنة كما صح الحديث بذلك. تأثر بأعمامه تربى عبدالله بن شومر -رحمه الله- في بيت يكرم فيه الأيتام ويكرم فيه الضيف، لذلك لابد أن يتأثر بهذه الأخلاق؛ لأن الإنسان ابن بيئته، وكان عمه عبدالمحسن بن شومر فارساً وشجاعاً آنذاك توفي -رحمه الله- في إحدى المعارك، وقد أدرك عبدالله الشومر عمه هذا، ولابد أنه تأثر به وسمع كلامه وأحاديثه، ومن جانب آخر فإن عمه إسماعيل بن شومر يعد أحد رجالات العقيلات –عقيلات الجبل- فكانت له تجارة شهيرة في بلاد الشام، ولعل تجارته بوركت لأنه يكفل هؤلاء الأيتام، وأمّا عمه الآخر الشيخ إبراهيم بن شومر -رحمه الله- فهو أحد الذين لهم الإلمام بالشريعة وابنه كذلك الشيخ صالح الملقب بالخطيب وإمام مسجد البزيعي بحائل، هذه هي أسرة عبدالله بن شومر في حائل والظروف التي نشأ فيها إذ إنه عاش 16 عاماً في حائل. مع الملك عبدالعزيز وفي أوائل 1341ه رحل القيادي عبدالله بن شومر إلى العاصمة الرياض وكان خاله سليمان بن عجلان مقيماً في الرياض وكانت وظيفة خاله رئيس خبرة -فرقة- عند الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، انضم مع خاله سليمان –كما يذكر الباحث فهد الشومر في نبذته عن والده-، حيث ذكر أنه انضم مع هذه الخبرة وهم مجموعة من الخويا يقومون بمهام خاصة في القصر الملكي في الرياض. وفي عام 1350ه أصبح عبدالله بن شومر -رحمه الله- موظفاً رسمياً من ضمن الخويا مع الملك عبدالعزيز الذين دائماً يكونون مع الملك في إقامته وسفره، الجدير بالذكر أن عبدالله بن شومر كان من المرافقين الذين رافقوا الملك عبدالعزيز في رحلته للبحرين، وكان قد رافقه أيضاً في رحلته التاريخية إلى مصر حيث أبحروا من جدة إلى منطقة السويس وكان في استقبالهم الملك فاروق، ورافق الملك عبدالعزيز إلى شركة أرامكو التي تفقد فيها الملك عبدالعزيز أعمال الشركة واطلع على سير أعمالها وحضور القياديين لهذه الشركة، وقد كتبت الصحف وشركة أرامكو عن هذه الزيارة كما هي عادتها في التوثيق والحفظ. ومن المعارك التي شارك فيها ابن شومر معركة السبلة التي كان شاهد عيان وعصر لهذه المعركة الشهيرة، ومن أهم صفاته الشجاعة وقوة البأس والإقدام، لذلك اختير أن يكون مع الملك عبدالعزيز، وقد رافقه ما يقارب 30 عاماً كان مثالاً للجندي القوي الأمين المخلص في عمله وفيما يوكل إليه من مهام وأعمال خاصة بالحرس الملكي. مع الملك فيصل وكان عبدالله بن شومر -رحمه الله- ممن يثق بهم الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- يوم أن كان نائباً لوالده في الحجاز، ومن ثم بعد أن أصبح ولياً للعهد ثم ملكاً، وكان الملك فيصل لما كان ولياً للعهد يرسله إلى الملك سعود -رحمه الله- فيما هو من أمور الدولة، ولولا ثقة الملك فيصل بأمانة عبدالله بن شومر لما أرسله، ولكن هذه الثقة التي حظي بها عند ولاة الأمور، خاصةً الملك فيصل والملك فهد وصاحب السمو الملكي الأمير منصور بن عبدالعزيز -وزير الدفاع آنذاك- هي التي أوصلته أن يكون قريباً تمام القرب منهم، وبعدما أصبح الملك فيصل ملكاً على البلاد كان ممن يحضر جلساته وكانت لديه رغبة بالعود إلى العمل بالديوان الملكي، وأمر الملك فيصل بتكميل تعليمه حتى يعينه في وظيفة في المراسم الملكية، وفعلاً بدأ تعليمه الابتدائي حيث انضم إلى محو الأمية بمدرسة الزبير بن العوام بحي عتيقة –كما ذكر الباحث ابنه فهد الشومر في نبذته– ومع أن عمره قد كبر لكنه أصر على أن يتعلم ولو كان كبيراً، فالعلم والتعلم ليس له عمراً محدداً، لذلك واصل التعليم وأحب التعلم وكانت مرحلة من المراحل المهمة في حياة عبدالله بن شومر، حيث تعلم القراءة والكتابة والمواد الأخرى، وحتى لو لم تحصل له الوظيفة التي يريدها فالتعلم خير وأفضل من الجهل. مع الأمير منصور ورافق عبدالله بن شومر -رحمه الله- صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن عبدالعزيز –وزير الدفاع آنذاك- في بعض رحلاته، وكان الأمير منصور يقدره ويحترمه ومكانته عنده رفيعة، حتى أن الأمير منصور أهدى له فرساً أصيلاً، ونعرف قيمة هذا الفرس في ذاك الزمن قبل 70 عاماً تقريباً، إذ لا تهدى إلاّ من سيكون أهلاً لهذه الهدية الغالية الثمينة، فكانت هذه الهدية تعبيراً من صاحب السمو الملكي الأمير منصور إلى عبدالله بن شومر، وعظم مكانته عنده، ومن المهام التي أوكلها الأمير منصور للمخلص ابن شومر التي تدل على الثقة والأمانة به، حيث أوكله إيصال رواتب الجيش قبل إنشاء البنوك من مكة إلى الرياض على سيارات البريد، وتلك مهمة حساسة والمسافة بين مكةوالرياض طويلة، لذلك كانت هذه المهمة قد أداها عبدالله بن شومر بكل أمانة وحفظ. ومن المهام كذلك التي أوكلها إليه الأمير منصور بن عبدالعزيز -رحمه الله- تفقد مراكز الجيش في حائلومكة قبل الافتتاح الرسمي من قبل وزير الدفاع وهي مراكز لتسجيل المجندين في الجيش في بدايات تكوين الجيش العربي السعودي، فكان عبدالله بن شومر شاهد عصر على البدايات الأولى للجيش العربي السعودي من حيث التطور والتنظيم، وهبي مهام رسمية أوكلها له صاحب الأمير منصور، حيث كان بمثابة مدير مكتب وزير الدفاع. ومن رحلات القنص كان المرافق الصادق المخلص مع صاحب السمو الملكي الأمير منصور؛ حيث اصطحبه معه في عدة رحلات للقنص، وعندما أُصيب الأمير منصور بكسر في فخذه كان من وفاء عبدالله بن شومر أن لازم الأمير منصور أربعة أشهر لا يفارقه حتى برأ وشفي من كسره، وهذا موقف نبيل من ابن شومر، وقد سافر مع الأمير منصور إلى بيروت لإجراء الفحوصات الطبية للتأكد من سلامته، ويروي ابنه الباحث فهد بن شومر عن والده، فكان مع الأمير منصور حتى سافر للعلاج في فرنسا وهناك توفي، فكانت رفقة طويلة مع أول وزير للدفاع فيها الكثير من الذكريات والأحداث والقصص. مع الملك فهد ورافق عبدالله بن شومر الملك فهد -رحمه الله- عندما كان وزيرًا للداخلية، فكان يحضر جميع المناسبات مع الملك فهد لما كان وزيراً للداخلية، وأوكلت إليه بعض المهام والأمور وكان يحظى بتقدير واحترام من الملك فهد طيلة مرافقته له، فكان الرجل الأمين والثقة في كل أموره فهو صادق مع نفسه ومع غيره، ثابت على مبادئه وقيمه منذ أن تربى عليها ونشأ وحتى آخر لحظه من حياته، بل كان كتوماً لا يفضي لأحد بشيء أؤتمن عليه –كما حدثني ابنه الباحث فهد بن شومر- وهذه صفة من أندر الصفات في الرجال؛ الكتمان وعدم إفشاء الأسرار، وهي تدل على عقلية كبيرة، والتحكم في خلجات النفس وهواها؛ لأن النفوس في الغالب لا تستطيع كتمان الأسرار بل هواها الإفشاء والإذاعة، وكان هذا هو راحتها، فكان رحمه الله لا تضيق نفسه بالأسرار بل هو الصندوق المغلق المحكم. شيم وأخلاق وقال ابنه الباحث فهد بن شومر في نبذته عن والده: كان رحيماً وواصلاً لرحمه وكان خلوقاً وطيب التعامل مع جميع الناس، وذكر بعض وقفاته مع ذوي القربي، خاصةً مع زوجته التي مرضت –زوجته الأولى- ومع خالاته في أزمتهن وكذلك مع أخته، فكان الرجل الواصل للرحم يقف إبان الأزمات والشدة والنوائب، ومنها وقفته مع عمه إسماعيل بن شومر الذي كان بمثابة الوالد له، حيث رباه منذ الصغر، فقد مرض عمه إسماعيل فسافر معه إلى لبنان، فالوفاء من طبع عبدالله بن شومر، خاصةً لقراباته، فهو لم ينس موقف عمه إسماعيل وتربيته له، لذلك سارع بالسفر به إلى لبنان. وروى الباحث فهد بن شومر موقفاً عن والده فيه من الشهامة والمروءة والانسانية، وهو أن إحدى الأُسر سجن العائل الوحيد لهم، فقام -رحمه الله- ببذل جاهه وخلص السجين وأرجعه إلى أهله، وهذه من تفريج من الكرب التي سعى في تفريجها، ونرجوا من الله عز وجل أن يفرج لعبدالله بن شومر كربته يوم القيامة، وتصور فرحة هذه الأم المسكينة حينما رأت ابنها قد خرج من السجن بعدما يئست من خروجه، لكن الله عز وجل سخر لهم هذا الشهم الفزوع عبدالله بن شومر، وغيرها من المواقف النبية الدالة على كرم طباعه، فهذه الأخلاق هي تبقى وتشكر وتذكر بالخير، حيث لم يخلف أموالاً وعقارات بعد رحيله لكنه أعقب أعظم من هذه الأموال التي مآلها الفناء وترك رصيداً كبيراً وراسخاً من الأعمال الخيّرة التي لا تفنى بمرور الزمن، ومكارم لا تستطيع الذاكرة نسيانها وأعظم من هذا كله الأجر من الله عز وجل الذي ينفعه في قبره وفي آخرته. رحيله عن الدنيا وبعد حياة طويلة لعبدالله بن شومر، توفي بتاريخ 21/11/1411ه رحمه الله رحمة واسعة وجعل قبره روضة من رياض الجنة، وقد خلف عدة أبناء، فمحمد ابنه الكبير كان معلماً، وعبدالعزيز وناصر، وفهد الباحث الذي أمدني بنبذته عن والده وفقه الله لكل خير، وهذا من البر بوالده، ومن الأبناء كذلك سعود وعبدالكريم وخالد، وبنات كريمات هذه هي ذرية الوجيه عبدالله بن شومر، شكراً للباحث فهد بن شومر على تزويدي بسيرة والده وهي سيرة مجيدة ورحلة عبر السنين أعطى فيها ما يستطيع في خدمة الوطن. الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وخلفه الملك فيصل -رحمه الله- وعلى يساره ابن شومر في إحدى المناسبات مع الملك المؤسس وابنه الملك فيصل الأمير منصور بن عبدالعزيز -أول وزير دفاع- عمل معه عبدالله بن شومر عبدالله بن عبدالكريم بن شومر -رحمه الله- الباحث فهد بن عبدالله بن شومر