جاء ضم هيئة الرقابة والتحقيق لمكافحة الفساد لتصبح جهازاً واحداً ليعالج ما أكدته تقارير جهات تشريعية رقابية متواترة من معاناة منظومة الرقابة ومكافحة الفساد من الترهل والازدواجية في الاختصاصات وتكرار المهام وهدر الموارد البشرية والمالية، حتى أن لجنة حقوق الإنسان والهيئات الرقابية بمجلس الشورى المتخصصة بدراسة تقارير الأداء السنوي لهذه الأجهزة أعلنت بأن تكلفة تشغيل هذه الأجهزة تشكل عبئاً مالياً على الدولة وهدراً واضحاً للموارد المالية يناقض أهداف إنشائها المتمثلة في حفظ المال العام وكفاءة الإنفاق وذلك بالنظر على أهم البيانات المالية لأجهزة الرقابة الخارجية، إضافة إلى أن الكثير من تقارير أداء أجهزة الرقابة ومكافحة الفساد تكشف شكواها من عدم تجاوب القطاعات المشمولة باختصاصها ورقابتها، وأيضاً معاناتها من تسرب الكوادر وخلل ونقص الأنظمة وعدم كفاية الميزانيات، وبالتالي جاء القرار الملكي أول أمس ليشكل الحزم مع جرائم الفساد من مرحلة الكشف حتى الملاحقة القضائية، بما في ذلك إيقاع العقوبات التأديبية وتحريك القضايا الجنائية، وحفظ الهيبة والقوة بعد ضم المباحث الإدارية ومنح الهيئة الجديدة سلطة الإيقاف على ذمة التحقيق ورفع الحصانة عن ملاحقة أي موظف ومسؤول مهما كانت درجته الوظيفية، وضمان تتبع سير قضايا الفساد في كافة مراحلها وصولًا إلى صدور حكم المحكمة المختصة فيها. تداخل المهام أربك الجهات الحكومية وضاعف كلفة الرقابة وأضعف النتائج ويعالج القرار الملكي شكوى الأجهزة الرقابية من تعطيل حصولها على الأدلة التي تحتاجها في عملها وتأخر القضاء في البت فيها، من خلال تسريع العمل في تحديد نوعية الأدلة المطلوبة وكيفية الحصول عليها لإدانة المتهم بالفساد أمام القضاء، كما يحكم قبضته على الفساد الإداري وفرض الحزم المطلوب على أداء شاغلي الوظيفة العامة والحفاظ على كرامتها من أي تجاوزات أو حتى مجرد شبهات، وتحصين المال العام والمحافظة على حرمته من خلال استعادة ما صغر منه أو كبر سواء كان داخل المملكة أو تم تهريبه إلى خارجها. الشورى: تقارير الرقابة ومكافحة الفساد تشكو عدم التجاوب وخلل ونقص الأنظمة والميزانيات وتفضي الترتيبات الجديدة فيما يخص المراقبة ومكافحة الفساد إلى منح الهيئة صلاحية أوسع في متابعة الفاسدين تتجاوز الأشخاص ذوي الصفة الطبيعية إلى الشخصيات المعنوية كالشركات والمؤسسات وغيرها، ومحاربتها الإثراء غير المشروع، خصوصاً لمن يظهر عليه الثراء المفاجئ بعد تولي الوظيفة العامة، والتصدي لممانعة بعض المسؤولين والجهات والمماطلة في التجاوب مع ملحوظات الهيئة وقدرتها على مساءلة أي جهة حكومية أو أياً من موظفيها في حال التقصير أو عدم الاستجابة الفورية مع طلباتها، كما أن في ضم كافة الجهات والوحدات الرقابية والضبطية والتحقيقية المختصة بمكافحة الفساد في جهاز واحد، ترجمة عملية لحرص القيادة على توحيد الجهود وإلغاء تكرار الأدوار، لضمان القضاء على الفساد تتبعًا وتحقيقًا وملاحقة، إضافة إلى أن توسيع صلاحيات هيئة الرقابة ومكافحة الفساد لتتبع القضايا في الشركات والمؤسسات، يعكس حرص الدولة الكبير على معالجة الفساد بشمولية ومن كافة جوانبه، سواء صدر من أفراد سعوديين أو مقيمين مدنيين أو عسكريين أو كان مصدره من مؤسسات القطاع الخاص. «الرياض» وفي تقارير عدة، عرضت الوضع الراهن لقطاع الرقابة ومكافحة الفساد في المملكة ومقارنة ما يخص الرقابة المالية السابقة واللاحقة والمصاحبة ورقابة الأداء وتفاصيل تكاليف تشغيل الديوان العام للمحاسبة وهيئة الرقابة والتحقيق «قبل ضمها» وهيئة مكافحة الفساد، وأوجه تنازع الاختصاصات، ومدى أهمية دمج هذه الأجهزة بجهاز واحد، وقد تعددت المطالبات بتوحيد هذه الأجهزة التي جاءت عبر توصيات تحت قبة مجلس الشورى بدراسة دمج الأجهزة الرقابية كما سبق وقبل ذلك أوصت لجنة حقوق الإنسان والعرائض بمجلس الشورى قبل تغيير اسمها وبعض مهامها بدراسة إنشاء مجلس أعلى للجهات الرقابية يرتبط بالملك لتوطيد مبدأ المساءلة بالدولة وزيادة التنسيق، موضحةً حينها أن المتابع لتقارير الأجهزة الرقابية يجد تداخلاً في الاختصاصات والمهام على عكس ما نصت عليه الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد بشأن التعاون والتنسيق المستمر بين الجهات الرقابية المختصة، وشهد عام 1436 تحولاً مهماً حينما أقرت اللجنة لجنة حقوق الإنسان والهيئات الرقابية بوجود ازدواجية في اختصاصات الجهات الرقابية التي تشمل ديوان المراقبة، وهيئة الرقابة والتحقيق، وهيئة مكافحة الفساد بل وحتى هيئة حقوق الإنسان، إضافة إلى جهات أخرى قد لا تكون رقابية لكنها تؤدي أعمال الرقابة مثل المباحث الإدارية، مؤكدة أن لهذا التداخل أثراً سلبياً في إرباك الجهات الحكومية ومضاعفة كلفة الرقابة وضعف النتائج، وأوضحت اللجنة حينها، أنه ليس مستغرباً أن تجد هيئة الرقابة أو ديوان المراقبة أمراً مراقباً من قبل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، مشددة على وجود الكثير من التداخل والتشابه بين أنظمة الأجهزة الرقابية، مضيفة بأنها درست وضع تقارير الهيئات الرقابية وأوصت بإنشاء هيئة عليا تشرف على جميع الهيئات الرقابية وتحدد اختصاصات كل منها، وجاءت التوصية على التقرير السنوي لديوان المراقبة العامة للعام المالي 351436، لكن وبعد نحو أربعة أشهر من مناقشتها عادت لجنة حقوق الإنسان بوجهة نظر جديدة تراجعت فيها عن توصيتها ولم توضح الأسباب، وبرزت مجدداً فكرة توحيد أجهزة الرقابة وأكدت لجنة الشورى للهيئات الرقابية أنها أجرت دراسة متأنية لاختصاصات الهيئات الرقابية والوقوف على الازدواجية والتكرار في المهام التي تؤديها هذه الجهات بالإضافة إلى التكاليف المالية لتشغيل هذه الأجهزة، ورأت اللجنة ضرورة التوصية بتوحيد مهام الرقابة الخارجية لهيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة العامة في جهاز رقابي واحد مرجعه الملك بما يتواكب مع مستجدات التقنية وتطورات المهنة ومعاييرها وأفضل الممارسات الدولية وفصل عملية الرقابة عن التحقيق لضمان العدالة وحفظ حقوق الأطراف، وجاءت التوصية هذه المرة على التقرير السنوي لهيئة الرقابة والتحقيق للعام المالي 361437، وناقش مجلس الشورى دمج هيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة في جهاز واحد، يرتبط بالملك مباشرة ويختص بالرقابة الشاملة بشقيها المالي والإداري، وهي توصية انفردت بها» الرياض» في وقت سابق، وحظيت بتأييد أعضاء طالبوا بتحديث وإعادة بناء أنظمة الرقابة والتحقيق بما يتفق مع المعايير الدولية للرقابة ودمج أجهزة الرقابة الإدارية والمالية لضمان عدم تداخل الاختصاصات وتكرار العمل وتوحيد الكادر الإداري لدى أجهزة الدولة، وتقوم وفق الأنظمة ثلاث هيئات رقابية بمتابعة ورقابة مشروعات الدولة، فديوان المراقبة يختص بالرقابة المالية اللاحقة على جميع عقود الدولة ومشروعاتها بحسب المادة السابعة من نظامه، أما هيئة الرقابة والتحقيق فتراقب مشروعات خطط التنمية وفائض الميزانية، بحسب المادة السادسة من القواعد الأساسية لمتابعة تنفيذ خطة التنمية، وتهتم هيئة مكافحة الفساد بالتحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في عقود المشروعات والأشغال العامة، وفق الفقرة الثانية من مادة تنظيمها الثالثة. وأخيراً، فالصلاحيات الواسعة لهيئة الرقابة ومكافحة الفساد بضم المباحث الإدارية لها ودوائر النيابة العامة المختصة بقضايا الفساد، سيكفل تعزيز سيادة القانون ومساءلة كل مسؤول مهما كان موقعه، كما أن هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بشكلها الجديد، باتت تتسم بالهيبة والقوة، نظير صلاحيتها في ضبط الأشخاص المتهمين بقضايا فساد وإيقافهم على ذمة التحقيق وتحريز المستندات والمضبوطات اللازمة في إثبات التهم على المتهمين، وستعمل الهيئة وفق تنظيم سيقضي على كافة العوائق التي كانت تقف أمام مجابهة قضايا الفساد، كسرعة الضبط ومباشرة التحقيق وعمليات الاستدلال الجنائية وإعادة الأموال المسروقة حتى لو تم تهريبها خارج المملكة.