بالرغم من كون النفط يعد المصدر الوحيد للموازنة العامة خلال السنوات الماضية ولم يحقق الهدف المنشود في تحقيق التنمية المستهدفة، إلا أن الحكومة الرشيدة بدأت تحولا جوهريا في سياساتها الاقتصادية الحصيفة لمواجهة أسعار النفط المتذبذبة؛ واستحدثت سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية لرفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطن؛ كما وضعت مؤخرا خططا جريئة وطموحة تؤكد متانة الاقتصاد السعودي لمواجهة التحديات في ظل «رؤية المملكة 2030م»؛ حيث اتسمت السياسة الاقتصادية المعلنة بالوضوح والشفافية والالتزام بتنفيذ بنود الموازنة المعتمدة لكي تساعد في تحقيق أهداف الرؤية ضمن سلسلة من الخطط والبرامج التنفيذية في ظل آليات التكامل والتنسيق بين مختلف الجهات العامة والخاصة لتوفير الخدمات وتمكين القطاع الخاص للقيام بدوره المنشود؛ وتعزيز الشفافية وكفاءة الإنفاق المالي العام وتكريس النزاهة، كما وضعت برامج لضمان دقة التنفيذ لبنود الميزانية وتقييم الأداء الحكومي وفق البنود المعلنة في بيانات الموازنة العامة بما يحقق كفاءة الإنفاق الحكومي، ويؤكد ذلك أرقام بنود الموازنة العامة حيث يلمس غياب واضح وجلي للمشروعات الوهمية أو المتعثرة وهذا يؤكد على الاستقرار الاقتصادي في تنفيذ مشروعات برنامج التحول الوطني بعيدا عن التذبذب المالي؛ ليس هذا فحسب، بل يدرك المتمعن في بيان الموازنة العامة أنها اعتمدت على جودة البيانات والمعلومات في رسم السياسة الاقتصادية العامة. إن ملامح الموازنة العامة تؤكد على مواصلة سعي جاد وملموس نحو تحسين مستوى الخدمات العامة وخاصة البنية التحتية وإيجاد برامج تركز على نمو القطاعات غير النفطية ومستقبلا -بتوفيق الله- ستكون الموازنة العامة بمنأى عن تذبذب أسعار النفط وأكثر أماناً في ظل سياسة التنوع الاقتصادي كثمرة تفعيل آليات الإصلاح الاقتصادي لتحقيق الرؤية، فهذه الميزانية تحمل في دلالتها ومعطياتها الكثير من محفزات جذب وتشجيع الاستثمار وخاصة الأجنبي مما يجعل المملكة واجهة جاذبة لرؤوس الأموال الأجنبية وإقامة المشروعات التنموية غير التقليدية، وفي ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط فإن أرقام الميزانية العامة لعام 2020م، تتسّم بالتحفظ في تقدير الإيرادات وتأكيد التوجه نحو رفع مستوى الخدمات وتعزيز الإنتاج الوطني غير النفطي مع انتهاج منظمة الأوبك سياسة خفض الإنتاج، حيث نجد -من خلال صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطنية اللذين يعملان كذراعي الاستثمار الوطني المحلي والخارجي- تنامي مشروعات الاستثمارات الوطنية والأجنبية المباشرة حاليا في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية وتنوعها في مختلف القطاعات الرئيسة الحيوية التي تسهم بشكل فعال في برامج التنمية الاقتصادية، ويلمس توهج لافت للمشروعات الاقتصادية القائمة على المعرفة والبحث العلمي وحسن استعمال للتقنية وتوظيفها في برامج الذكاء الاصطناعي وتقنية الروبوتات؛ في ظل التوجه لدعم استثمار تقنية الجيل الخامس (5G) بما لها من آثار إيجابية في مختلف مجالات الحياة البشرية وعلى وجه الخصوص سنجد ذلك جليا في خطة الإعداد والتنفيذ لأعمال قمة العشرين التي تترأسها المملكة. * متخصص في قانون الاستثمار الأجنبي