سأبدأ هذا المقال بقصة واقعية حدثت لمجموعة من الزملاء في اجتماعهم الأسبوعي، بعد انتهاء سمرتهم في يومهم المعتاد أمسك أحدهم بزميله على انفراد، وشرح له معاناته المالية والتزاماته الأسرية، تعاطف معه وأبدى جاهزيته لخدمته بما يستطيع، فأخبره برغبته باستخراج سيارة من إحدى الشركات، ويريده أن يكون كفيلًا له، وذكر له أنه يقوم بذلك كإجراء نظامي وسيلتزم بسداد الدفعات على الوجه المطلوب، ولكن لا يرغب بأن يعلم أحد من زملائهم، استعد صديقة بأداء المهمة وخاصةً أن الأمر (إجراء نظامي) والرجل سيقوم بالسداد، وفعلًا قام بكفالته. بعد عدة أشهر تفاجأ الكفيل بتبليغ قضائي لسداد مبلغ السيارة، وأنه في حال لم يقم بالسداد خلال فترة معينة؛ فسيتم اتخاذ الإجراء النظامي تجاهه، تواصل الكفيل مع المكفول وطلب منه سداد المبلغ، إلا أن المكفول لم يأبه بكل تلك الاتصالات، ولم يكن الكفيل يمتلك قيمة السيارة، وأوقفت خدماته حتى يقوم بالسداد، أخبر زملاءه في الاجتماع الأسبوعي، بما حصل له، وكانت المفاجأة أن الكثير منهم قد أوقفت خدماتهم لذات السبب، وتبين أن المكفول قام بالتلاعب بعواطفهم وكفله الجميع دون أن يخبر أحد منهم الآخر، وهاهم قد أوقفت خدماتهم، إلا المكفول، فهو حر طليق. وبعيدًا عن ملابسات القضية، فإن الإجراء الذي اتخذ بحق الكفلاء هو إجراء تسنده الأنظمة، وبغض النظر عن حسن النوايا في كفالتهم لزميلهم، فإن الكفالة إجراء قانوني تترتب عليه التزامات يجب أن يعيها الكفلاء، ولكن هذه الحادثة تقودني للحديث عن مسألة قضائية مهمة في هذا الوقت، وهي مطالبة الكفيل قبل الأصيل، ولعل هذه المسألة محل خلاف قديم - جديد، فالجمهور على أن للدائن أن يختار في المطالبة من يريد، سواء كان الكفيل أو الأصيل، وقول آخر إنه لا يصار إلى مطالبة الكفيل إلا بعد تعذر مطالبة الأصيل، وروي عن الإمام مالك قوله: من تحمل برجل أو بما عليه فليس للذي له الحق إذا كان الغريم حاضراً ملياً أن يأخذ من الكفيل شيئاً إلا ما عجز عنه الغريم. وإن كان هذا القول ليس بالقول الراجح، ولكن لعل سادتنا القضاة أن يأخذوا به؛ وذلك تغليبًا للمصلحة؛ فقد ترتب على مطالبة الكفيل دون الأصيل من استهتار الناس بأخذ الديون وعدم السداد والمماطلة في ذلك الشيء الكثير، ولعل من أبرز الأسباب هو علمهم بأن المطالبة ستتجه للكفيل دونهم، وترتب عليها أيضًا تخوف الناس من الكفالة وتهربهم منها، وقد كانت في زمن من الأعمال الإنسانية المحمودة.