يبدو أن العديد من دول العالم تتهيأ للدخول في أزمة اقتصادية أخرى ومفاوضات طويلة جداً، تتعلق بقضية فرض «الضريبة الرقمية»، على شركات الإنترنت العملاقة، أزمة أخرى قد تطل على العالم الذي لم ينته بعد، من الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدة والصين وتأثيراتها السلبية على نسبة نمو الاقتصاد العالمي. لقد ظهر مقترح فرض «الضريبة الرقمية»، التي من المتوقع التوصل إلى اتفاق حولها خلال العام المقبل، في إطار «منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية»، منذ فترة ليست بالقصيرة، ولكنَّ نقاشاتها أخذت تتصاعد لتحضر على مختلف الأصعدة الاقتصادية والمؤتمرات الدولية. وتشير كل التوقعات بأنَّ فرض «الضريبة الرقمية»، أمر لا مفر منه، سيما وأن مجلس الشيوخ الفرنسي وافق، مؤخراً، على فرض ضريبة رقمية بنسبة 3 بالمائة على إيرادات عمالقة التكنولوجيا من الخدمات الرقمية المكتسبة في فرنسا، وهناك دول أخرى في الاتحاد الأوروبي لديها خطط لفرض ضريبة رقمية مماثلة. ويبدو أنَّ الشركات الأميركية ستكون الأكثر تضرراً من فرض «الضريبة الرقمية»، الشيء الذي اعتبرته الأوساط الأميركية الاقتصادية يمثل استهدافا أوروبيا لشركاتها التكنولوجية ك «أبل»، «أمازون»، «فيسبوك» التي بدورها أبدت تحفظاتها تجاه الضريبة الجديدة. ولعل الاتجاه لفرض هذه الضريبة يأتي من أن «عمالقة الإنترنت» استطاعت أن تفلت بأرباحها من الضرائب، بسبب نشاطاتها متعددة الجنسيات وتمددها في حلقات دائرية بين مختلف دول العالم، بحيث يبدو من الصعوبة بمكان تحديد الجهة الاعتبارية والمكان الذي تفرض فيه الضريبة. وهنا تبرز ثغرات قانونية بالغة التعقيد؛ تتطلب إعادة النظر في بعض القوانين المتعلقة بالتجارة الإلكترونية وتعاملات الإنترنت على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي أيضاً. وهذا الأمر بدوره يضع الاقتصاد العالمي عقب ظهور نوع جديد من الضريبة، أمام حتمية إعادة هيكلته ليستوعب الوضع الجديد المتعلق ب «الضريبة الرقمية»، وهو أمر آخر بالغ التعقيد. وبالتأكيد، فإن اقتصاد المملكة ليس ببعيد عما ستحدثه «الضريبة الرقمية» من تأثيرات سواء أكان سلبا، أم إيجابا، خاصة بعد تطبيق نظام التجارة الإلكترونية الذي أقره مجلس الوزراء خلال يوليو الماضي، والذي يتسق مع مستهدفات رؤية 2030، ويصب في إطار توفير قنوات جديدة للتنويع الاقتصادي. والحراك الكبير الذي تشهده التجارة الإلكترونية في المملكة الذي وصل حجمها في العام 2018 إلى نحو 80 مليار ريال؛ سيجعلها أمام تحدٍ كبيرٍ، فيما يتعلق بفرض «الضريبة الرقمية»، خصوصا أنه من المتوقع أن يتم الاتفاق حولها، خلال العام المقبل، الذي لا تفصلنا عنه سوى أسابيع قليلة، كما أن هذا سيسهم للمملكة كقائد لمجموعة العشرين أن تلعب دوراً مهماً في هذا الخصوص. وتخشى الكثير من الجهات الاقتصادية المختصة، وخبراء الاقتصاد والمال أن تقوم شركات الإنترنت العملاقة بتحميل الضريبة الجديدة والعبء على المستهلك، تخفيفا للعبء عليها؛ مما سيتسبب بارتفاع تكلفة استخدام التقنية على مستوى العالم. وأخيراً، هل تنبهت الجهات ذات العلاقة والأجهزة التشريعية والتنفيذية بالمملكة ممثلة: بمجلس الشورى، ووزارة المالية، والهيئة العامة للزكاة والدخل، والجهات المتعاملة مع التجارة الإلكترونية، إلى هذا الأمر الذي يعتبر في غاية الأهمية وكيف يمكن أن تقوم باستباق الأحداث وجعل دور المملكة بارزا ومؤثرا بالمنطقة في هذا الخصوص ؟ *رئيس مجلس إدارة كي بي ام جي في المملكة