يواجه كثير من أفراد المجتمع ضغوطًا كثيرة بسبب روتين الحياة اليومي، سواء في المنزل أو العمل أو بسبب المرض، إلاّ أن هناك من يتغلب على هذه الضغوط بمواجهتها بطريقة صحيحة دون أن تُرهق تفكيره، لكن البعض يصبح أسيرًا لها، ما يجعله يدخل في حالات نفسية لها عواقب سلبية على حياته، وربما عمله، بل حتى علاقاته. وقال د. حسين محمد خرد - استشاري الطب النفسي بمستشفى الملك فيصل التخصصي في جدة-: للضغوط النفسية عدة آثار سلبيّة تعود على صاحبها بالضررين النفسي والجسدي، ويمثل التعرف على مسببات هذه الضغوط أولى خطوات حلها. فمن الضغوط الخارجية الشائعة التغيرات الرئيسة في المعيشة، وقد تكون هذه التغيرات إيجابية، مثل الانتقال إلى منزل جديد، أو سلبية كوفاة أحد الأحبة، أيضًا البيئة المحيطة والأحداث التي لا يمكن التنبؤ بها ومكان العمل والعوامل الاجتماعية تمثل مصادر أخرى للضغوط الخارجية، مضيفًا أنه تتضمن استراتيجيات التعامل مع الضغوط الخارجية طلب المساعدة من الآخرين وتعلم كيفية حل المشكلات وإدارة الوقت باستخدام الطاقة والوقت في الأنشطة المهمة وتقليص عدد الأنشطة المشارَك بها، كما يشمل تغيير نمط المعيشة، مثل تناول نظام غذاء صحي والنشاط البدني والحصول على قدر كاف من النوم، ما يساعد على تعزيز القدرة على التحمل. وأشار إلى أنه لا تنشأ الضغوط النفسية من عوامل خارجية فقط، فهناك بعض العوامل الداخلية الشخصية كالخوف من الفشل والخوف من التحدث أمام الجمهور، وتُعرف المشاعر والأفكار التي تتبادر إلى الذهن وتسبب عدم الشعور بالراحة باسم عوامل الضغط الداخلية، ومنها أيضًا الشك وفقدان السيطرة وبعض السلوكيات والمعتقدات، مبينًا أنه لحسن الحظ يمكن للفرد التحكم في أفكاره، لكن نظرًا لمصاحبة هذه المخاوف والسلوكيات السلبية للفرد فترة زمنية طويلة، فإنها تأخذ كثيرًا من الجهد ليتم تغييرها، ذاكرًا أنه تشمل استراتيجيات التحكم في عوامل الضغط الداخلية إعادة صياغة الأفكار واختيار طرق التفكير الإيجابية وتحدي الأفكار السلبية وممارسة وسائل الاسترخاء والتحدث مع صديق موثوق به أو استشاري مختص، فأهم خطوة للتعامل مع الضغط النفسي: هي البَدْء في تحديد وفَهْم مصادره، وبعد ذلك يمكننا تعلُّم كيفية إدارته بشكل أفضل والتحكّم به، فالضغط النفسي من مسلَّمات الحياة ولا بأس بذلك؛ حيث يوجد عديد من الطرق للتعامل معه. تمسك بكتاب الله وأوضح د. عماد الرمضان - مؤلف كتب في التربية - أن الضغوط النفسية عنوان عريض، يحمل تحت حروفه مشكلات عديدة وأضرارًا وخيمة على مستوى الفرد والمجتمع، لمن ابتلي بها، وفقد السيطرة على عقله، مطلقًا العنان لنفسه التي تتأرجح دون استقرار وهدوء، ولا شك في أن الضغوط النفسية لم تأت من فراغ بل من صراعات فكرية كثيرة، وطول ساعات في الاختلاء بالنفس ربما خطيرة، مضيفًا أن تحصين النفس منها أمر مهم، وقد يكون في أشكال وطرق عديدة من خلال: التمسك بكتاب الله وهدي نبيه الكريم والابتعاد عن اليأس والقنوط والتشكي دون حاجة، وكذلك شغل النفس والعقل بكل ما يغذيهما فكريًا وجسديًا والابتعاد عن تعنيف الذات وحصرها في زاوية مظلمة، إضافةً إلى مصاحبة ذوي الطموح، ومتابعة الناجحين، والاحتذاء بهم، للجري للأمام وإراحة النفس من التقهقر للوراء؛ حيث التفكير السلبي واللوم والشقاء، إلى جانب عدم الميل للعزلة، والانفصال عن المجتمع فترات طويلة، بل الاندماج والتشارك مع الآخرين في كل شؤون حياتهم، وكذلك من طرق التحصين ممارسة الهوايات الرياضية الترويحية والأعمال والحِرف المسلية والجاذبة للسعادة الذاتية، إضافةً إلى عدم تضخيم المشكلات أكبر من حجمها، وعدم التعامل معها بسلبية بل بمرونة حتى يتم التوصل لحلها بإيجابية، إلى جانب تغيير الصورة المزاجية الشخصية، من خلال السفر والترحال لأماكن الطبيعة والهدوء. كلمات بدون نقط وأكد إبراهيم البحراني - اختصاصي اجتماعي - أن حياتنا أسطر مملوءة بالكلمات الخالية من النقاط، فكلما أمد الله لنا في العمر زادت الكلمات والأسطر ولكن بدون نقط، لذا فإن كل المشوشات التي نواجهها في حياتنا ليست إلاّ مجرد كلمات دون نقاط، حيث يصعب علينا أن نحدد معناها بشكل دقيق وجازم، مضيفًا: "لكي تشاركني - أخي القارئ - الفكرة سأطرحها بشكل بسيط ودقيق، على سبيل المثال كلمة (حد) هي بمعنى التوقف، وبمعنى عدم التقدم، وهي كلمة بمجرد أن تطرق الأذن، ويحللها العقل يستجيب لها ككلمة تؤدي إلى فكر سلبي، ولكن لو وضعنا لها نقطًا لأصبحت (خذ)، التي يتمثل معناها في معانٍ عدة منها: العطاء، والتقديم، والكرم، وهي قاطبةً كلمات إيجابية دون شك"، ذاكرًا أنه على هذا يلزمنا أن نباشر في تغيير نمط أساليبنا في الحياة، حتى لا نجعل من أنفسنا وكرًا للضغوط والصراعات النفسية المدمرة، التي تحبط عزيمتنا، وتشل حركتنا عن التقدم والازدهار، وهذا هو ما يجعل الأشخاص الإيجابيين يملكون العزيمة والصرامة والصلابة في مواجهة التحديات والتغلب عليها بذكاء وبأسرع وقت ممكن، في حين نرى السلبيين المستسلمين للمشوشات والمؤثرات، هم من يخلقون الأعذار الواهية والحجج غير المقنعة لكي تستمر حياتهم وهم واهمون تمامًا، وغير محققين لذواتهم، وبعيدين كل البعد عن نوال مطالبهم وطموحاتهم، فحياتهم ككرة يتلاعب بها اللاعبون في ملعب الحياة الواسع، ولكن دونما أهداف تسجل وتحسب لهم، مختتمًا: "لكي ننعم براحة واستقلالية، علينا اختيار أهداف واقعية ذكية، كلماتها ذات نقاط، ودلالات إيجابية". ممارسات وأنشطة وتحدث د.أحمد القوصي - استشاري نفسي في جامعة الملك عبدالعزيز - قائلًا: التدريب على التعامل مع الضغوط شيء مهم جدًا، فلا يمكن أن نتجنب الضغوط تمامًا، والأفضل أن نتعلم كيف نفرغها ونتعامل معها، وكذلك الفصل بينها حتى لا تتراكم، وقد يكون من المهم تحصين أنفسنا بالبدء في تنمية أفكارنا الإيجابية تجاه ذواتنا وتجاه الآخرين والمواقف من حولنا، وأن تكون لدينا قابلية للنقد البناء، فلا نأخذ الانتقادات كهدم للذات، وأن نكون فاعلين في مجتمعنا، أي تكون لدينا واجبات متنوعة من ممارسات وأنشطة اجتماعية ورياضية، مضيفًا: "يجب أن نعلم أن استشارة أصحاب الاختصاص لا تمثل وصمة عار أو خجل، لكنها علامة اقتدار ورغبة في التغيير والوصول للأفضل". وأوضحت لمياء محمد خان - مسؤولة القسم الإعلامي بمستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة - أن أفضل طريقة للخروج بأنفسنا من الضغوط اليومية - في رأيي - هي اللجوء إلى الله - سبحانه وتعالى - أولًا، ثم الابتعاد جسديًا وروحيًا عن كل المسببات التي تؤدي إلى الضغط أو التوتر، مبينةً أن نبي الرحمة أرشدنا إلى أن الإنسان يحتاج إلى الترفيه عن نفسه بقوله عليه الصلاة والسلام: "روّحوا عن أنفسكم ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلت عميت"، فما المانع أن نزيد الوقت الخاص بالترفيه مثل الذهاب إلى شاطئ البحر، وممارسة المشي على الرمال، فهي من ناحية علمية تساعد على التخلص من الضغوط، كذلك التسوق أو قراءة رواية ممتعة أو إجازة للسفر، كل هذا وغيره يستطيع الإنسان أن يكيف به نفسه فيخلصها من ضغوطها ويريحها من وعثاء القسوة والعمل، مشيرةً إلى أنه ما أجمل التوازن في هذا الكون بحيث لا يطغى شيء على شيء، والإنسان طبيب نفسه، ويستطيع أن يوازن بين كل جوانب حياته. استشارة نفسية وأكدت نجلاء الثقفي - اختصاصية - أن حق النفس ينعكس على كل الأمور الحياتية، جميعنا نتفق على أن حياة الإنسان وروتينه اليومي لا يخلوان من بعض الصعوبات التي يواجهها سواء بسبب العمل، المنزل، أو الضغوط المادية والحياتية، جمعيها تؤثر في الصحة النفسية لدى الفرد، مضيفةً أنه في بعض الأحيان يصعب على الشخص مقاومة هذه الضغوط، ويصبح ضحية لأعراضه النفسية التي تجعل من تأقلمه شيئًا صعبًا، متسائلةً: لماذا يستخدم الإنسان الكبت والإنكار بطريقة مفرطة؟؛ بسبب عدم رغبته في مواجهة القلق أو الألم النفسي المصاحب لهذه الضغوط والمشكلات، مبينةً أنه تختلف قدرات التحمل من شخص إلى آخر، ويلعب الدور الجيني جزءًا مهمًا من درجة تحمل الفرد، وجزءًا آخر منها مكتسب يتعلمه الشخص من خلال مواجهته لمواقف الحياة وضغوطها، مشيرةً إلى أنه يُستحب أن يتعلم الشخص طرق تأقلم صحيحة تساعده على كيفية التعامل مع الضغوط المستمرة، وتقليل نسبة تأثيرها السلبي في الفرد، ففي البداية مهم أن يعرف الشخص مدى تأثير هذه الضغوط في أساسيات حياته - الشخصية، الاجتماعية، العملية-، وثانيًا تحديد مصادر مسببات القلق لديه، فإذا استطاع تحديدها ومواجهتها نستطيع القول: "وصل إلى نصف الطريق"، فليس من الصعب أو المخجل اللجوء إلى الاستشارة النفسية للحصول على المساعدة العلاجية اللازمة، مختتمةً: "لا ننسى أيضًا أن نمط الحياة الصحي له تأثيره الإيجابي في حياة الشخص، كممارسة الرياضة، التأمل، الاسترخاء، وجعلها جزءًا مهمًا من الحياة". من يستسلم للضغوط سيتجاوزه الآخرون وسيبقى في مكانه د.حسين خرد د.عماد الرمضان إبراهيم البحراني د.أحمد القوصي لمياء خان