كانت عبارة (سترس) stress أو الضغط النفسي تعني في أواخر القرن التاسع عشر, الضغط الذي يلوي معدناً أو يغير شكله, من هنا جاء المعنى التشبيهي في عبارة (الضغط النفسي) الذي يؤدي لدى الإنسان إلى اضطرابات جسدية وعقلية. لكن التعريف بهذه العبارة, ظل مبهماً فقد اُستعملت كلمة stress للإشارة إلى اعتداء أو ضغط أو وضع محرج ضاغط, كما أُطلقت أيضاً على رد الفعل الفيزيولوجي على تلك العوامل الخارجية وعلى تأثيرها السلبي في الصحة. وفي شتى الحالات يمكن أن يُفهم الضغط النفسي على أنه تفاعل بين النفس والجسد. هذا التفاعل من منا لا يعاني منه؟ ومن منا لا يكاد يمر يوم دون أن يتعرض له؟ في كتاب صغير وأنيق أعدته (فاديا عبدوش) (كيف تواجه الهموم والضغوطات اليومية) وفي عنوان جانبي (الضغط النفسي العدو الخفي) تقدم له بما توصلت إليه منظمة الصحة العالمية عندما رفعت الضغط النفسي إلى مصاف (آفة الغرب) واستناداً إلى أبحاث مكتب العمل الدولي, أصبح الضغط النفسي أخطر المشكلات هذه الأيام, وهذه المشكلة لا تهدد الصحة الجسدية والنفسية فقط للأفراد المصابين به, فحسب, بل تهدد أيضاً المؤسسات. وقد يقال هل تعرض الأجداد للضغط النفسي؟ تقول المؤلفة نعم تعرضوا لكن انشغالهم بالحاجات اليومية المادية, جعلهم أقل انفعالاً منا؟ أمام الموت والحب والمواعيد الطارئة, والصراعات الاجتماعية, وفي المقابل كانوا يعانون من البرد والجوع ومن طبيعة عدائية تكثر فيها الحيوانات المفترسة والقبائل المعادية ما يُحّول حياتهم اليومية إلى صراع دائم للبقاء إلا أن جهاز جسم الانسان القديم, كحال الكائنات الحية كلها, كان يتكيف بطريقة رائعة مع هذا الصراع فعند مواجهة اعتداء أو خطر يتهدده, تتحرك تلقائياً آليات فيزيولوجية في جسمه لتضعه أمام خيارين: إما المواجهة وإما الهرب, أما اليوم فلم تعد الاعتداءات التي تهددنا جسدية فبفضل التقدم العلمي والتقني أصبحت هذه الاعتداءات نفسية وعاطفية أكثر منها جسدية وهذا لا يعني انها أصبحت اقل خطراً. ربما يقال إن الحياة اليوم أكثر راحة ورفاهية إلا أنها ازدادت تعقيداً مع ازدياد المعلومات والنظم والمهام الصعبة. وبيئتنا على خلاف بيئة أجدادنا, في تغير مستمر. فالإنسان المعاصر يتنقل كل يوم ما بين منزله ومقر عمله مستخدماً وسائل النقل المزدحمة وأحياناً ينتقل من الريف إلى المدينة وبالعكس... فيتغير عليه باستمرار نمط الحياة, ومستوى الضوضاء والحرارة. وكل تغير من هذه التغيرات يتطلب من أجسامنا أن تتكيف معه. يضاف إلى هذه الضغوط, إحساس الانسان المعاصر بأنه لم يعد قادراً على التحكم بمحيطه, أي أنه لم يعد يملك حرية الاختيار. فالحياة العصرية تحد من هوامش تحركاته. لكن ماهو الضغط النفسي؟ (إنه ردة فعل الجسم على أي تغير مفاجئ وسريع في المحيط, خاصة عندما يجعل هذا التغير الجسم في حالة استنفار دائمة). وتهاجم عوامل الضغط النفسي الجزء الضعيف عادة من الجسم, وتترجم آلام الجسد بصمت نفسية الذين لا يستطيعون مقاومة ضغوطات الحياة, لكن كيف تكون ردة فعل الجسم أمام ضغط نفسي ما؟ عادة يعجز الإنسان من اتخاذ قرار الهرب بالمواجهة فيفرغ جسمه الادرينالين الفائض عن طريق نشاطات جسدية بديلة ولكن هناك ضغط نفسي سلبي وضغط نفسي إيجابي يدفع للأمام والقليل منه ضروري للنجاح في بعض المهمات بل هو مفيد أيضاً, وضغط سلبي قد يؤدي إلى إصابة الشخص بالمرض والانهيار العصبي. وأخيراً ترى المؤلفة فيما يتعلق بأسباب الضغط النفسي إنه من المؤكد أن الحياة المهنية, مصدر لا ينضب للضغوطات النفسية الخفية حيث يعيش عدد كبير ممن يعملون في حالة من التوتر الدائم ودائرة مفرغة, ترزح تحت (كل عامل معرض للضغط النفسي, سواء كان موظفاً مقهوراً, او رئيساً يرزح تحت عبء اعماله). لكن هل هناك مصادر للضغط النفسي؟ وهل بالإمكان تفاديه؟ وهل الجميع معرضون له؟