لا يمكن الحديث عن مستقبل الخطاب النقدي التشكيلي، إلا من خلال إرجاعه للمشهد التشكيلي الشمولي وتفحص معالم الخطاب الثقافي العام بتجلياته وإسهاماته الأخرى، فالمتاهة - إن جاز التعبير - التي يحياها الخطاب الثقافي والمشهد التشكيلي الشمولي، تنعكس بشكل غير مرئي على الخطاب النقدي التشكيلي ومستقبله. من خلال القراءة التحليلية لمستقبل النقد تبين لي أن الخطاب النقدي ما زال طرياً كطينة ذلك النحات التي لم تكتمل بناية تمثاله بعد، لا من حيث القدرة النقدية ولا البنية التحتية، بيد أن الخطاب الحاصل بالمشهد النقدي، ما هو إلا عبارة عن اجتهادات شخصية من قبل البعض، وهذا يُعتبر إنجازاً في ظل تقهقر المشهد التشكيلي بصفة عامة على المستويين الرسمي والشخصي، والضبابية التي يحياها الخطاب الثقافي العام ولا يمكننا أن نستشرف صورة مستقبلية للخطاب النقدي، إذا لم نغربل بعض المفاهيم الفلسفية ونأسس بيئة خصبة، تكون أشبه بخارطة طريق ممهدة لجيل الشباب، لطرح أفكارهم النقدية بتزامن مع عرض منجزاتهم الفنية، فيكون لدينا خطاب نقدي مؤثر ويترتب على ذلك التالي: * الكثير من الفنانين والكتاب من حيث لا يعلمون تقوقعوا خلف الفلسفة البراغماتية Pragmatism Philosophy of، التي تقوم على النفعية والرأسمالية، فأصبح الفن للفن فقط ولم يتجاوزوا حدود هذا النطاق الضيق لمفهوم الفن، متجاهلين أيضاً بغير قصد فلسفة الفن كمنجز ثقافي يرتكز المبدأ والقيم Philosophy of Values لينعكس ذلك على قرائهم من الفنانين الشباب، فترسخت صورة نمطية ذهنية لدى الفنانين الشباب تكمن بأن الفن مجرد لوحة تعلق على الحائط لتجميل المكان ليس إلا، فتاهت بوصلة الفنان باختلاط الأمر لديهم بين كاتب المقال والناقد التشكيلي، مما أثر سلباً على الخطاب النقدي، ومن هذا المنطلق لابد لنا أن نغير مفهومنا للفن كممارسة ثقافية صرفة قبل أن يكون ممارسة فنية لينعكس إيجاباً على الخطاب النقدي ومستقبله. * مخاطبة وزارة الثقافة لوضع رؤية متكاملة، كخطة خمسية ممنهجة وفق قراءة دقيقة للوضع الحالي للفنون التشكيلية، وذلك بإيجاد حلول للأخطاء ومعوقات الماضي، ويوكل هذا الأمر لثلة من التشكيليين الثقات. * تأسيس جائزة سنوية للنقد التشكيلي، تتبناها وزارة الثقافة بمعرض الكتاب. * إعادة هيكلة كاملة للوائح التنظيمية للمؤسسات الثقافية بالمجتمع المدني، كجمعية الثقافة والفنون وجمعية التشكيليين، لكي تكون بيئة جاذبة للمبدعين بعكس الوضع الحالي. * زيادة المنبريات الصاحبة للمعارض التشكيلية، لكي تكون نافذة للجيل الشاب بطرح آرائهم حول منجزاتهم الفنية، وتأسيس جائزة لأفضل مقال نقدي أو تشكيلي بشكل ربع أو نصف سنوي، تتبناه المؤسسات المعنية بالشأن التشكيلي. * حث الجمعيات بتبني المواهب النقدية، كتبنيها المواهب الفنية. * مطالبة وزارة الثقافة بإقرار التفرغ الإبداعي، وهو من أهم الخطوات المستقبلية للخطاب النقدي.