النفس البشرية بطبيعتها تميل إلى الاحترام المتبادل والكلمة الطيبة والحوار البناء، لكن يحدث أحياناً أن نكون غير مهيئين لالتقاط معانٍ كثيفة من تلك الطبيعة، أي أن نسمعها بشكلها المعاكس عمداً من أحدهم، حتى وإن كانت في أقصر عبارة مضمونها خارج عن النص، خارج عن إطار الاحترام التي نبدو عند سماعها تغير لون وجوهنا إلى الحمرة المصفرة ثم يحصل ما يحصل.. يقول الإمام الشافعي: إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا فدعهُ ولا تكثر عليه التأسفا ففي الناس ابدال وفي الترك راحة وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة فلا خير في ود يجيء تكلفا إن سلوكنا الإنساني هو محصلة تفاعلنا مع الآخرين فمنه يتم التحكم أيضاً في سلوكنا الجسماني والعقلي وانفعالاتنا النفسية ودوافعنا وميولنا مع البيئة المحيطة بنا.. يهمنا من هذا كله توظيف سلوك تعاملنا مع الآخرين بمنطق عقلاني أي أن نضع أسباباً منطقية لتقبلهم أو النفور منهم.. وإن كانت الحقيقة المضمنة في عدم اهتمامنا في إيمان أحدهم بأفضليته علينا، لكن يهمنا أن نعرف سبب اعتقادهم في وجوب تحطيمنا لإثبات ذلك! شعور الاختلال هذا أو الغضب الذي يصيب البعض تجاه نجاح الآخرين أو حتى لأسباب نجهلها أحياناً يجعله في حاجة إلى كيس رمل وقفاز ملاكمة وغرفة مغلقة؛ ليقف بداخلها وحيداً مع أفكاره ثم يواجه الكيس وينهال عليه باللكمات، ستكبر معه الجملة التي بدأت بالنمو وقررت أن تخرج حافية القدمين من رأسه، ربما حينها يتخلص من هذا الداء أو على الأقل يحد من طاقته السلبية المؤذية تجاه الآخرين. وهذا واحد من آلاف العقليات وملايين والأفكار التي تعج داخلها عقد لا نهاية لها، منهم من يمتلك الثقة الموزونة بنفسه فيكون أقل تعقيدًا، وآخرين مهمتهم تضييق الخيارات، وربما تلتقي ببعضٍ ممن لا تستطيع أمامهم إلا طرح سؤال وحيد وهو «لماذا أنتم هنا؟» ولا عزاء على فقدان بعض العلاقات؛ فأحياناً علاقة واحدة فاشلة قد تعطيك ما لا تعطيه عشرات العلاقات الهادئة، لأنها سوف تعلمنا تجنب الأخطاء، وانعدام مفهوم الأبدية أو البقاء في العلاقات بشكل عام.. وأخيراً؛ «لا تكن كالذي كسر المنبه لأنه أيقظه».. لا تجتهد في قتل أفكار الآخرين عنك ولا تنتظر أن يقتلوك أيضاً دون محاولة إطلاق ساقيك للريح.. لأن تجنب شرهم من حسن الفطن.