مع كل ما وصلت إليه الدراسات النقدية الحديثة للأدب السعودي، لم نجد من بينها دراسات تصدت لأدب الرسائل، أو المراسلات الأدبية، على الرغم من كثرة الأدباء الذين خاضوا كثيرًا في هذا الباب، فكيف يغيب النقد عن هذا الموضوع؟! وهل نسيه النقاد أم تناسوه؟ أسئلة قد تكون لافتة للانتباه، وربما تكون أكثر غرابة ونحن نرى حضورًا طاغيًا للأدباء في هذا الباب، بل لا نبالغ إذا قلنا: إن إبداعهم تجلى أكثر ما تجلى من خلال هذه الرسائل، سواء أكان توظيفهم لها من باب الوسيلة، أو من باب الغاية. والحق أننا لو فتشنا في الدراسات النقدية التي غاصت كثيرًا في الأدب السعودي، نجدها - مع بالغ الأسف – رغم كثرتها - لا تتعدى الاهتمام بالشعر، أو الرواية، أو القصة بتحولاتها، أو السيرة الذاتية، أو بعض أجناس أخرى على نحو ضيّق، وعليه فإننا سنجد مكتبة الأدب السعودي قد اكتملت أكثر زواياها إلا من (الرسائل الأدبية)، فمن يبحث في أدب المقالة، أو القصة، أو القصيدة، أو الرواية، سيجد لها مؤسسين وروّادًا، لكنه لن يجد مثلًا من يحمل لواءً في أدب الرسائل إلا على نزر قليل؛ يكاد ينحصر في الاهتمام بإحدى الشخصيات المترسلة. حتى جاء الزميل والصديق العزيز الدكتور حمدان بن إبراهيم الحارثي، وأزاح عن أدب الرسائل السعودية ستار الزمن وغباره، وردم تلك الهوة، وسدّ تلك الثُلمة، وذلك في أطروحته القيمة (فن الرسائل في الأدب السعودي من 1343 – 1420ه) التي نوقشت في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود قبل أربع سنوات، ولم يكتف بأن أصبح رائدًا في هذا الباب، بل سعى في مؤلفه هذا إلى استجلاء القيمة الأدبية لرسائل الكتاب والشعراء السعوديين؛ فأعطى الموضوع تميزًا فوق الريادة. ومع هذا فما زال أدب الرسائل في المملكة العربية السعودية ينتظر من النقاد، والمهتمين بالأدب السعودي بعث الاهتمام به مجددًا، والبحث في أدب الرسائل ليس في حدود زمنية معينة، بل العودة به إلى عهد الدولة السعودية الأولى، يوم كانت الرسالة وسيلة تواصل بين أئمة الدعوة من العلماء والأمراء، إلى أن بلغت أوجها اليوم في عصر الرسالة المتوهج مع التطور الجديد الذي تشهده الساحة الأدبية على المستوى التقاني، وهو ما يعني تنوع أدب الرسالة السعودية على صعد مختلفة، موضوعية، وشكلية، وزمنية، وتقانية، وهذا يؤكد أنها ما زالت تتطلع – على المستويين الأدبي والنقدي - إلى أبعد من ذلك بكثير.