الترفيه بلا شك رافد قوي، تنتهجه الأمم والدول والحضارات، بل إن كثيرًا من الحضارات السالفة بقيت آثارها من جرّاء ومضات الترفيه، وعلى سبيل المثال الفنون، التي كان جل زوّارها ومريديها ومتذوقيها يرفّهون عن أنفسهم بمشاهداتها، عن الجماهير نتكلم لا النجوم وممارسي الترفيه، وشكسبير ما كان لرواياته الذائعة الصيت أن تتنتشر وتخرق الآفاق لولا المسرح والقالب الذي قدمها فيه. ويبقى السؤال: هل الترفيه غاية في حد ذاته؟ أي أن نمارسه لذات شغف الممارسة والترويح عن النفس، أم أنه وسيلة لصناعة الإدراك وخلق الوعي، وخلق نمط جديد من الأفكار، وإطلاق قيد العقل؟ وهل يجب أن ننظر إلى الترفيه على أنه مجرد لحظات من الأُنس واللعب والضحك ثم تنقضي مسراته بمجرد الانتهاء، أم أنه وسيلة للخيال وكتابة النص، وزيادة خصوبة الأفكار، وتحريرها من قيد النمط الواحد؟ حتمًا تجربتنا وليدة في عالم الترفيه، وجديدة ما زالت في مهدها، ولكنها مولود ولد واقفًا، طموحه مشتعل بجيل ملتهب يرغب في خوض تجربة الترفيه، والفضول المتنامي اليوم، سيكون حديث النجاح غدًا، والرهان وبلا شك على الجيل الصاعد، الذي هو أغلب الفئات العمرية في لغة الإحصاء والأرقام؟ وما هو من المفترض أن يكون حديث أروقة الترفيه في ظل هذا العمل الدؤوب والطموح والمضني الذي يريد التحليق عاليًا أن نبدأ من هذه اللحظة أن نؤمن إيمانًا قاطعًا بأن الترفيه وسيلة لتشكيل وخلق العقول ذات الفكر المتنامي، الذي يرفض التشكل على نمط واحد، وأنه يريد التموضع في عالم ما زال يتدفق كل يوم بشيء جديد في صفحاته، وبشكل متسارع على مستوى الاختراع والأنماط والأفكار. فالترفيه مساحة لا نهاية لحدودها، إنه قام وسيظل يقوم على خصوبة الخيال، وإن كل الأمم التي قادت ونمت لا بد أن نجد قي طيّات صفحاتها لمحات من الفنون، ومن هذه الفنون تشكّلت وصبغت العقول بمدارك كان على أساسها النهضة وبناء الحضارات. إن الأمة والدولة التي تظل حبيسة النمط الواحد، وتريد من سلالتها أن تكون نسخة منها، فهي أمة تكرار لا أمة ابتكار.