ثمة مثل ياباني يقول: "أن تكون على حق، لا يوجب أن يكون صوتك مرتفعاً"، يأخذني هذا المثل دوماً لأتذكر موجات الصراخ في معظم البرامج الرياضية والمنصات الإعلامية التي تناقش قضايا الكرة السعودية بشكل يومي دون أن يخرج المشاهد بفائدة حقيقية مما يُطرح. يُقدم الضيوف على أنهم نقاد، وهنا نجد أننا بحاجة للوقوف عند مصطلح النقد وإعادة تعريفه في سياق كرة القدم، فالنقد يرتبط بكشف العيوب والخلل ومن ثم الحكم على مسألة بعد كشف هذه العيوب من أجل إصلاحها والتعلم من هذه العيوب، وعند محاولة أي معنى للنقد على ما يحدث في الإعلام الرياضي السعودي نجد أن صفة الناقد أكبر بكثير من قدرات غالبية من اتخذوا هذه الصفة طريقاً للوصول إلى المتلقي. لا يمكن إطلاق مسمى ناقد رياضي إلا على أولئك الذين يمارسون النقد بأكبر قدر من التجرد، أي يُظهرون مكامن الخلل ويقدمون نظرة شاملة عن أمر ما، وهنا لا أطالب بالحياد لأنه لا حياد في الإعلام، إذ من المقبول أن تجد شخصاً بميول نصراوية أو هلالية أو غيرهما ويقدم نقداً من منظور ميوله وهذا ليس عيباً ولا خطأً طالما حضرت الموضوعية في طرحه. نحن أمام مجموعة من المعلقين الذين يقدمون تعليقات مشبعة بالتفكير والرأي الرغبوي تارة، وتارة تذهب إلى دغدغة مشاعر الجماهير، وهي بعيدة كل البعد عن النقد واستخدام أدواته، وبالتالي فإن الإصلاح وهو أهم أهداف النقد يكاد يغيب تماماً في البيئة الرياضية ما أسهم في كثير من التراجعات على مستوى الرياضة السعودية وفي كرة القدم تحديداً. وبالنظر إلى المشكلات الإدارية داخل الأندية السعودية، نجد أن غياب النقد الحقيقي الذي يهدف إلى الإصلاح ساهم بشكل مباشر بتعميق هذه الأزمات كون المسؤول لا يتلقى نقداً حقيقياً أو أفكاراً تدفعه لتعديل الأخطاء واتخاذ قرارات أكثر صحة. اتحاد الإعلام الرياضي والمنصات الإعلامية مسؤولة بشكل تام عن أزمة المحتوى وتشويه النقد الرياضي، ذلك أن الاتحاد اكتفى بمطالبة الإعلاميين بتسجيل عضوياتهم واكتفى ببعض الدورات عن المحتوى الإعلامي المتعلق بالفنون الصحافية التقليدية، دون إيجاد عملية لضبط عملية النقد واتخاذ صفة الناقد. نحن أمام خدعة كبرى، إذ أوهمنا كثير من الأشخاص أنهم يقدمون نقداً، والحقيقة أنهم لا يقدمون سوى تعليقات بدائية لا تختلف عن تعليقات الجماهير، وتفتقد لأبسط معايير النقد وأخلاقيات النقد والظهور الإعلامي وأدب الحوار علاوة على تدني المحتوى بطريقة مخجلة وطغيان الميول بطريقة فجة وافتقاد "النقاد" لأدنى معايير الكفاءة الإعلامية فضلاً عن النقدية، فمن يعلق الجرس ويعيد للنقد قيمته في الإعلام الرياضي وينهي هذه الفوضى المزعجة خصوصاً في الفضاء.