هناك رأي عام متداول داخل تركيا بين التيارات والقوى السياسية يقول: إن سياسة الرئيس التركي لا تخدم تركيا ولا استقرار المنطقة، والامتعاض الشعبي يتزايد، ما يفسّر انخفاض شعبيته وتآكلها.. الغضب العالمي أبلغ رسالة على الصلف التركي الذي تجاوز كل الحدود بارتكابه حماقات وجرائم في الأراضي السورية. ما يحدث هو احتلال لأرض عربية ما يعني عودة للفوضى والفتنة والحرب وتفتح من جديد باب جهنم لعودة الأشرار والجماعات الراديكالية أمثال داعش والقاعدة. الموقف العربي كان صريحاً ومباشراً رغم مواقف بعض الدول المتخاذلة التي لا تملك قرارها وهناك مطالب بتطبيق عقوبات اقتصادية جماعية ضد تركيا. ليس مثيراً للدهشة موقف الدول العظمى فالمصالح المتشابكة والمعقدة تفلح عادة في تهميش مبادئ القانون الدولي. القلق التركي ليس مبرراً لقتل أبرياء ونزوح أسر وأصحاب الأرض فقط لأن هناك مكوناً سياسياً له موقف من النظام الحاكم في أنقرة. السياسة التركية ومنذ تعديل الدستور والتحول من نظام برلماني إلى رئاسي لا تلقى رواجاً في منطقتنا العربية. حدث تحول استراتيجي في السياسة التركية بدليل ما ينتج عنها من أزمات سياسية. من حق أي دولة أن تبحث عما يحقق مصالحها لكن ما تفعله تركيا يتجاوز الخطوط الحمراء عبر الأسلوب التصعيدي والاستفزازي تجاه دول خليجية وعربية. انحرفت السياسة التركية منذ أن غُلب البعد الأيديولوجي على المصلحة الوطنية، ودعمت جماعات الإسلام السياسي وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين وأصبحت مقراً لها بالتنسيق مع دولة قطر لإيصالها للسلطة في بلدان عربية لتكون مرتبطة بتركيا أيديولوجيا وسياسياً. انقلبت انقرة على مبدأ تصفير المشكلات، وأصبحت تدعم الثورات وتورطت في ملفات عديدة. العرب انخدعوا فيما يطرحه الساسة الأتراك من شعارات وأقوال وتصوروا أنهم نصيرون لهم لا سيما في مواجهة التمدد الإيراني أو حتى الدفاع عن القضايا العربية قبل أن يتبين لهم لاحقاً أن هناك مشروعاً تركياً إقليمياً خفياً، وأن خطاباته ما هي سوى سلوك دعائي وإعلامي لجذب الشارع العربي. أهداف أردوغان واضحة فهو يريد اقتسام الكعكة السورية بامتلاك أوراق للمساومة والمفاوضات على طاولة مستقبل سوريا وتدمير كل ما له علاقة بالأكراد، ولك أن تتأمل الخطاب التركي لتجده متناقضاً ويعاني من تخبط وارتباك ويضع نفسه في مأزق مستغلاً أي حدث أو موقف لمحاولة فرض صورة تركيا كلاعب إقليمي. شعرت تركيا بالعزلة منذ عقود ولم تملك نفوذاً في الملف العراقي والسوري فوجد أردوغان أن الحل يكمن في احتلال مناطق في سوريا، وهذا لا يعني كما يحاول أن يصور المسألة أنها فقط مواجهة الأكراد ومناهضتهم بل إن الحقيقة الغائبة هي بالتأكيد أطماع تاريخية في شمال سوريا ولا شيء آخر. تزعم القيادة التركية بنجاح الديمقراطية التركية مع أن هناك أسئلة معلقة لم تجد إجابة تتمثل في تفسير الحرب التي شُنت على ما سمي بجماعة غولن، واعتقال الآلاف من الشعب التركي، ولغة التهديد مع المعارضة العلمانية والحرب الشرسة ضد حزب العمال الكردستاني، من دون بحث بدائل سياسية ناهيك عن ملف قبرص والتعاطي التركي الجائر تجاهه. استراتيجية الأتراك كما يرى البعض "هي اللعب على التناقضات من كردستان إلى الخليج لتحقيق مكاسب تكتيكية وتحويلها عند الضرورة إلى أدوات ضغط، وذلك أن تكون لاعباً شريكاً في رسم الخرائط والمعادلات والتطورات". الحلم العثماني يلوح في الأفق فاللعب على تناقضات أطراف الصراع يحقق لها ما تريد وقد كان. ألم تستفد تركيا من الخلاف الخليجي مع قطر على سبيل المثال فتزرع قاعدة عسكرية لها في قلب الخليج. والمثير للعجب أن نظام الحمدين في قطر هو الوحيد في العالم من أيد وبوضوح العدوان التركي الحالي على الشعب السوري. الزعيم التركي له مشروعه الذاتي داخل تركيا وخارجها بحيث أنه يسعى لدور ونفوذ إقليمي، وإعادة الخيالات العثمانية. هناك شعور بالقلق من اندفاع أردوغان في سياساته الخارجية التي ورطت بلاده في قضايا وتجاذبات هي في غنى عنها. حتى داخل حزب العدالة والتنمية هناك أصوات ترى أن التفرد بالقرار والهيمنة على كل شيء قد يكون له عواقب وخيمة على السلم الأهلي داخل تركيا بدليل خروج قيادات وأسماء مهمة من الحزب احتجاجاً على سياسة اردوغان. هناك رأي عام متداول داخل تركيا بين التيارات والقوى السياسية يقول: إن سياسة الرئيس التركي لا تخدم تركيا ولا استقرار المنطقة، والامتعاض الشعبي يتزايد ما يفسّر انخفاض شعبيته وتآكلها.