عاد من نومه ليستقطع من وقت شعور التخاذل الذي لاينفك عنه، وأحياناً يغلبه الأرق ليستكمل باقي يومه بنظرات السخط والبسور. فكرته تلك لا حياد لها عن ضخامة الركود الذي احتله وتمكّن منه، وكم جناح يفترض أن يفرد لكي يحلق به بعيداً عن هزلية ذلك المشهد المتكرر؟ واحد أم اثنان أم لا شيء على الإطلاق؟! عزيزي المتقاعد.. لو كان الحل ريشاً لأخبرتك ولكنه يكمن فيك! اهتزاز صورتك الذاتيه وقلة الاتزان، ونقص الرضا بداخلك، والاضطراب في مفهوم كينونتك نتاج عن غياب العمل وحياة تلك المرحله التي عشتها، وهذا مما يفسِّر بعض حالات الكآبة والعلل النفسية الأخرى التي قد تنتابك إذا سمحت لها بالعبور. قد يكون انتهى سعيك وأنت أحد المهندسين، أو المؤرخين، أو من مربي الأجيال أو العسكريين. لكنك تغفل تماماً عن مكانك فأنت ميزان الاعتدال، وموضع اقتداء بعد أن عاركت الحياة وعركتك. اتعلَّم كم تشير التّوقعات بلوغكم عام 2025م ربع عدد سكان العالم. ولعلي -في هذا المقام- أدعوك لتخفيف الاحتقان، وسدّ منافذ الخلل، فلم يعد هناك ما تقلق لشأنه. هيا عزيزي المتقاعد اذهب ونم قرير العين فلك الليل كلُّه، ومن النَّهار جُلّه. فقط اتقن فنّ صناعة حياتك الجديدة، حسب مقتضيات مراحلها، واستمتع بها كما يلائم الحال. فهي فترتك الزمنية الأكثر رحابة وإمكانية لممارسة هواياتك. ما يجعلني في موضع الاستغراب تلك النسبة الكبيرة جدًّا من المُتقاعِدين كانت - ولم تزل - تستمدُّ وتَبني صورتها الذاتية ومفهومها عن نفسها من مكانتها السابقه في عملها؛ مِن أهمِّها وأشدِّها أثرًا مسماه الوظيفي ومهاراته والخدمات التي أسداها للآخرين من خلال عمله، وحين يَبني المرء تصوره وتقييمه لذاته على أساس «عمله» فإن صورته الذاتية سوف تهتزُّ - بلا شك - حين ينتهي عمله يوماً ما. ما حدث مع إريك لاويس الرجل السبعيني المتقاعد، عندما أخذ به الحال إلى الملل.. لكن تعايشه مع الوضع بشكل مفيد قاده إلى الثروة! في عام 1992، وفي إحدى الأيام العادية بالنسبة للمتقاعد العجوز، أراد ذلك الفقير أن يواجه الملل الذي سيطر على نهاره، فعبث بجهاز كشف عن المعادن، أهداه إليه أصدقاؤه بعد تقاعده منذ سنوات، وحاول استخدامه من أجل العثور على مطرقته الضائعة، بإحدى المزارع الملاصقة لمنزله في منطقة شرق أنجليا الإنجليزية، من دون أن يتخيل للحظة أن تقوده هدية زملاء عمله الثمينة إلى اكتشاف مبهر مثل هذا. عثر إريك بالصدفة البحتة على الكمية الأكبر في التاريخ من الذهب والفضة التابعة للرومان القدماء، التي وجدت في بريطانيا يوماً، والتي عرفت في هذا الحين باسم كنز هوكسن، إذ تكونت من 14,780 قطعة من الذهب والفضة، علاوة على 200 قطعة من الحلى والمجوهرات وأدوات المائدة، كلها تعود إلى ثروة عائلة الإمبراطور الروماني أوريليوس أورسيسينوس. وضع اكتشافه المذهل منذ ذلك الحين في المتحف البريطاني، كإحدى الكنوز القديمة الملهمة، أما بالنسبة له فقد حصل على مكافأة مالية بلغت 1.75 مليون جنيه إسترليني، لم يتوقف الأمر عند تحول إريك لاويس من الفقر إلى الثراء فحسب، بل حاصرته كذلك أضواء الشهرة لفترة من الوقت، فنال عدداً من الزيارات والرحلات المجانية إلى العاصمة الإنجليزية لندن، إلا أن المفاجأة الأكبر بالنسبة إليه تمثلت في مقابلته لأمير ويلز وولي عهد المملكة البريطانية المتحدة، الأمير تشارلز. أخيراً.. الحياة ليست لاكتشاف نفسك بل لتكوينها.