تذكر الإحصائيات أن الشعب العراقي لم يقم بثورة شعبية وطنية عارمة، منذ أكثر من 100 عام، وكانت الثورات السابقة والتي بسببها أصبح يطلق على العراق (أبو الثورات)، يقودها أحزاب سياسية أو دينية أو أيديولوجيات عسكرية، ولذلك للمرة الأولى تشهد بغداد العروبة والسلام والمحافظات الأخرى وحتى المدن الأوروبية ثورة شعبية "شبابية"، من كل القوميات والطوائف والمذاهب والأعراق، لأن العراق يتكون من مجتمع "فسيفسائي" من جميع مكوناته (الشيعة والسنة والمسيحيين والأكراد والشبك واليزيدية والصابئة والسريانيين والكلدانيين وغيرهم من الأقليات)، ولذلك نلاحظ مشهد جديد على الساحة العراقية ربما يبشر بخير لعودة وحدة العراق القوي الموحد وتجانسه تحت مظلة واحدة، وهي الهوية الوطنية العربية الموحدة دون أحزاب دينية مؤدلجة، ودون طائفيين يخدمون أجندات خارجية، بعد أن أنهكته الحروب والمنازعات ودمرته الطائفية البغيضة، وسرق ثرواته الذين ارتدوا عباءة الدين زوراً وبهتاناً، وسرقوا الدولة باسم السلطة وشرعنوا أنظمة وقوانين تبيح لهم السرق والنهب والتهريب وإنشاء ميليشيات طائفية خارج سيطرة الدولة، وكذلك الفاسدين الذين أتوا من خارج الحدود بعد الاحتلال (الأميركي والإيراني)، وعاثوا في أرض الرافدين وبلادهم فساداً وخراباً ومحوا الهوية الوطنية للعراق، وأصبح البلد مشلولاً ومشتتاً وممزقاً منذ عام 2003م. علماً بأن العراق كان له دور وطني وقومي عروبي فعال على مر التاريخ، وكان الرقم الصعب في معادلة استراتيجية الوطن العربي، وكان بلداً مخيفاً ومهاباً وعملاقاً، مما يمتلكه من ثروات بشرية هائلة، ويطوف على بحيرة من النفط، فضلاً عن الموارد الاقتصادية والزراعية والمالية. ويبدو أن العراقيين عزموا على تغيير البيئة السياسية التي يستشري فيها الفساد، بعد أن نفد صبرهم الطويل، وامتلأت السجون بالمعتقلين من الأبرياء، فضلاً عن المشردين والنازحين التي يقدر عددهم بحوالي خمسة ملايين أو أكثر، فضلاً عن تردي الخدمات العامة، وانقطاع الماء والكهرباء، وتسيد القرار الميليشيات الطائفية المتطرفة المسلحة الموالية لإيران، ويبدو أن الشعب العراقي قرر الانتفاضة للبحث عن عقد وطني جديد، يحمي وحدتهم الوطنية وكرامتهم، ويعيد لهم ثرواتهم وتاريخهم المجيد.