غالباً ما يكون الأكثر جبناً من هذه المخلوقات هو الأكثر قدرة وحقداً ساعة امتلاكه الأمر، فيطلق العنان للجور بكل أنواعه، ويقترف الموبقات بتلذذ على رقاب من يوكل له معاقبتهم، أو حتى من يكلف بملاحقتهم في الشوارع والبيوت، وهو مدجج بالسلاح، لكيلا تظهر ملامحه قدر جبنه.. التكوينات العسكرية نوعان، نوع نظامي محترم له هيكل حكومي صارم وعلوم ومعارف وفكر ومعطيات عصرية، تتبع فيها القوانين والأنظمة الإنسانية باحترام، وهو يخلق في أنفس المنضوين تحت لوائه مفهوم الرقابة الذاتية، وهرمية الطاعة والولاء، في عمليات كرامة وعزة وفداء تُمنع فيها التجاوزات، بحيث لا يعطى لمن يعمل فيها مجال للخروج عن نص الإنسانية. أما النوع الثاني فهو عمل طوارئ عشوائي اضطراري يبدأ صدفة، وإذا استمر يصبح مشوهاً شاذاً يعتمد على النعرة والقوة الجسدية، وإنجاز المهام بأي طريقة كانت، مثلما يتم عند عسكرة بعض المدنيين في حالات الفوضى والفراغ الأمني، كما حصل عند تكوين الأحزاب والميليشيات المسلحة كتلك المنتشرة في لبنان والعراق وسورية واليمن، يتم تجميعها من عاطلي الشوارع والبلطجية ورد السجون، والمارقين على القانون، بانتقاء ينصب على قدراتهم الجسدية العفية، وبأغراض تكون مؤقتة في البداية مثل إخماد ثورة شعب معين، أو توطين معتقد، أو لتغليب نظام على آخر، ولكنها بعد ذلك تستعصي على من أنشأها، فيكتشف ساعتها أنه أحضر السباع والوحوش المسعورة إلى بيته، وأنها لو جاعت فسيكون هو أول من تلتهمه. وبالنظر لطبيعة تطويعهم، نجد أن تدريبهم مرقع، وولاءهم لمن يدفع أكثر، وأن أهدافهم وقتية، موجهة، لا تحمل مبادئ وطنية. حياتهم العسكرية المشوهة تجور عليهم في بدايات اختيارهم كمجندين، وكم تتم إهانة كرامتهم، وإذلالهم، وتجريعهم أنواع الألم والحقد، مما يكرس في مشاعرهم وملامحهم جميع خصائص البشر البدائيين، دون رتوش، ودون قدرة من المجند على الترقي، فيجبر على تطويع قلبه وتسخير ذاته، وتقديم الولاء للأكبر، والسخط على الأصغر، والتزام الطاعة العمياء، وتنفيذ الأمور الجريئة الصعبة البشعة الدموية، التي لم يكن الشخص لينفذها لو ترك له الخيار بذلك. حياة فيها تجبر وتحكم من بعض الرؤساء، تخضع أعناق المرؤوسين المغسولة لمقصلة جور وتهميش للنفس النقية وتأصيل للبغيضة، التي تظل تتحين الفرصة المناسبة، لتطغى، وتمتلك مطلق السلطة، حتى تنتقم وتفعل مثل فعل من ترأسهم وجار عليهم، بل إن البعض منهم يتفنن في تنفيذ البشاعة بقلب كالمضخة المعدنية لا يعرف الرحمة. كلاب يتم تجويعهم، وغسل أمخاخهم حتى لا يعودوا يفكرون، ولا يشكون في كون ما يفعلونه قد يعارض الأديان أو الإنسانية. وغالباً ما يكون الأكثر جبناً منهم هو الأكثر قدرة وحقداً ساعة امتلاكه الأمر، فيطلق العنان للجور بكل أنواعه، ويقترف الموبقات بتلذذ، على رقاب من يوكل له معاقبتهم من أسرى، أو معتقلين، أو حتى من يكلف بملاحقتهم في الشوارع والبيوت، وهو مدجج بالسلاح، لكيلا تظهر ملامحه قدر جبنه. ويعود المسعور إلى ثكنته وهو مبتهج منتفخ الأوداج، كونه يدري أنه سيُمتدح بقدر شناعة فعله، وأنه ومهما أغرق في القبح والبشاعة، فلن يجد من يلومه، أو يعاقبه.