صدرت رواية ستونر للمرة الأولى عام 1965، وتعدّ من ضمن أدب الروايات الأكاديمية أو التي تنقل أحداثًا في حرم الجامعة، تتلمس جوانب القلق النفسي والاستسلام لمسارات الحياة. وعلى الرغم من أن الرواية لم تشتهر في حقبة الستينات، إلا أنه أعيد إحياؤها بعدما تم التطرق إليها في الصحف الأميركية والبريطانية في الأعوام الأخيرة الماضية. تُستهلّ رواية ستونر للأميركي جون ويليامز (دار أثر، ترجمة إيمان حرز الله) بمقدمة تصف باقتضاب سيرة حياة وموت أستاذ مساعد للغة الإنكليزية، غير محبوب إطلاقًا، في إحدى الجامعات المحلية في أميركا. والدليل الوحيد على وجود هذا الرجل هو مخطوطة من القرون الوسطى تبرّع بها زملاؤه إلى المكتبة باسمه. زملاء ستونر الذين لم يمنحوه تقديرًا خاصًا أثناء حياته، نادرًا ما يتحدثون عنه الآن؛ كبار السن يرون أنه تذكير للنهاية التي تنتظرهم، أما الشباب فيعتبرونه مجرد صوت لا معنى له من الماضي، حتى أنه لا يمثل تلك الهوية التي تستحق ربط أنفسهم أو وظائفهم بها. ستونر نموذج للإنسان المستسلم لقدره. كان دومًا يخضع لسلطة ما، سياسية أو أكاديمية أو اجتماعية. كان دائمًا تابعًا. لم يحاول أن يكون قائدًا، أو ندًا. كان يأخذ ما يعطى له، دون أن يطالب بأي شيء حتى لو كان من حقه. لم يسمح لنفسه بأن يختار إلا في حالات نادرة، تعد على أصابع اليد الواحدة. قد يمر معظم الكتاب على هذه الفئة مرور الكرام ولا يجدون فيها مصدر إلهام، لكن جون ويليامز استطاع أن يلتقط أدق التفاصيل في حياة هذه الفئة، ويكتب عنها رواية ذات أحداث بسيطة بأسلوب استثنائي. وكأنه يقول لنا إن حياة أي إنسان هي تجربة معقدة مهما حاول أَن يبسطها. طوال حياته تجنب ستونر خوض أي صراع خارجي، وكان ينجح في معظم الأحيان. لكنه لم يجد مفرًا من صراعه الداخلي حين (ألفى نفسه يتساءل ما إذا كانت حياته تستحق عيشه). وفي أحد الحوارات النادرة التي قام بها جون ويليامز في حياته، قال: أنا أظن أنه بطل حقيقي. كثير من الناس الذين قرأوا الرواية يظنون أن ستونر عاش حياةً حزينة وسيئة جدًا. أنا أظن أنه عاش حياةً جيدةً جدًا. كأن يفعل ما يرغب في فعله، كانت لديه بعض المشاعر تجاه ما يفعله، كان لديه إحساس بأهمية العمل الذي كان يقوم به، كان شاهدًا على قيم مهمة. الشيء المهم في الرواية، بالنسبة لي، هو إحساس ستونر بالعمل. التعليم بالنسبة له هو عمل – عمل بالعمل الجيد والشريف للكلمة. عمله منحه نوعًا خاصًا من الهوية وصيره إلى ما كان عليه. الأمر الأساسي هو حب الشيء. إذا أحببت شيئًا فسوف تفهمه، وإذا فهمته فسوف تتعلم كثيرًا. عدم وجود ذلك الحب هو تعريف المُعلِّم السيئ. أنت لا تعرف أبدًا كل نتائج ما تقوم به. أنا أظن أن الأمر يتلخص فيما كنت أحاول الوصول إليه في ستونر. يجب أن تحافظ على إيمانك. الشيء المهم هو أن تحافظ على استمرار التقاليد؛ لأن التقاليد هي الحضارة.