يجول رئيس حزب "النهضة" راشد الغنوشي في أحد الأحياء الشعبية وسط العاصمة تونس مراهنا على استراتيجية التقرب من الناخبين للفوز في الانتخابات التشريعية التي يخوضها للمرة الأولى. ويترأس الغنوشي حزب النهضة منذ عقود. عايش معه فترة العودة إلى تونس بعد ثورة 2011 ودخول الحياة السياسية من جديد. نجح الحزب في ظل قيادته بتحقيق فوز واسع في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بعد الثورة، ونال غالبية المقاعد، وحلّ ثانياً في الانتخابات البرلمانية في 2014. وتثير شخصية الغنوشي (78 عاما) الجدل. غير أن الرفض الشعبي للطبقة الحاكمة الذي بدا واضحاً خلال الدورة الرئاسية الأولى بعد تأهل مرشحَين معاديين للنظام الحالي، تجعل من مهمة الغنوشي إقناع الناخبين أكثر صعوبة. وتقول فاطمة الكسراوي، وهي من سكان الحي، "انتخبناهم في السابق ولكننا اليوم نعيش على الخبز والماء". وتتابع المرأة الخمسينية "لم يجد أبناؤنا لا عملا ولا أملا. هاجروا بطريقة غير قانونية إلى أوروبا وفقدناهم بسببهم". ويتنافس الغنوشي في الدائرة الانتخابية الأولى في العاصمة مع بسمة الخلفاوي، أرملة المعارض السياسي اليساري شكري بلعيد الذي اغتيل على يد مسلح متطرف عام 2013. ولا تزال اتهامات تحمّل النهضة مسؤولية هذا الاغتيال. ولم يبت القضاء بالقضية بعد. وتواجه الطبقة السياسية غضبا شعبيا يتزايد لأنها لم تتمكن من إيجاد حلول للأزمات الاقتصادية والاجتماعية وخصوصا ارتفاع الأسعار والتضخم الذي يؤرق كاهل المواطنين منذ ثورة 2011. ويقول الوزير السابق عماد الحمامي، مدير حملة الغنوشي، "اعتدنا على التواصل المباشر، وهذا الغضب هو الديموقراطية". ويضيف "قررنا بالنظر الى نتائج الرئاسية تقليص عدد الاجتماعات الشعبية والظهور في صورة متواضعة، وأن نكون قريبين من الشباب". وتأتي حملة الغنوشي التي شملت أيضا مدنا كبرى في جنوب البلاد، بالتزامن مع أزمة داخلية يعيشها الحزب، وقد عبّر عنها جزء كبير من قواعده الانتخابية بالتصويت لمنافس لمورو في الانتخابات الرئاسية. ودفعت "النهضة" على ما يبدو ثمن قرار التوافق مع "نداء تونس" في 2014 وقربها من التوجه السياسي الوسطي، إذ لم يكن انصار الحزب راضين عن هذا التوجه، معتبرين إياها تنازلا عن المبادىء من أجل المشاركة في الحكم. وبدأت مؤشرات رفض لسياسات الغنوشي تظهر منذ مدة. وكان أبرزها استقالة مدير مكتبه السابق زبير الشهودي منتصف سبتمبر. ودعا الشهودي في مدونة "الشيخ" الى "اعتزال السياسة وأن يلزم بيته ومحرابه". وانتقد الشهودي بقوّة تدخل الغنوشي وصهره رفيق عبدالسلام في تحديد رؤساء قوائم الحزب، مشيرا الى أنهم "داسوا إرادة كبار الناخبين" بإقصاء كل من له رأي مخالف خصوصا من النساء والشباب. ويعتبر الكاتب الصحافي زياد كريشان أن "الغنوشي يحلم بالسيطرة على الحزب وستمنحه الانتخابات النيابية شكلا من الشرعية". في حين يرى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن "الوضع جد حساس" بالنسبة لرئيس الحركة وأن طموحه لترؤس البرلمان يمكن أن يمر عبر تسويات. وكشفت بعض استطلاعات الرأي أن النهضة ستنال أربعين مقعدا من مجموع 217 بعد أن كان لها 68 مقعدا في انتخابات 2014. ويقدّر الجورشي أن التحالف مع أحزاب جديدة في الحكم قد يؤدي الى "انقسامات تنتهي بانهياره"، وأن ليس أمام حزب النهضة "خيار آخر سوى الذهاب للمعارضة". من ناحيته، أعلن المرشح الرئاسي لحزب "قلب تونس" والموقوف في السجن نبيل القروي أنه لن يدخل في تحالف مع حركة النهضة في حال فوزه في الانتخابات. وأوضح القروي أن رفضه للتحالف مع النهضة يستند إلى وجود "شبهات قوية حول جرائم اغتيال لسياسيين وجنود وأمنيين ومدنيين". كما لفت القروي إلى شبهات أخرى ترتبط بالتورط في "شبكات تسفير تونسيين إلى القتال في سورية وإدارة جهاز سري". تأتي رسالة القروي ضمن حرب كلامية بعد تصريحات سابقة لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي أعلن أيضا في اجتماع شعبي عن رفض التحالف مع حزب "قلب تونس" لوجود شبهات فساد من حوله. ويتنازع الحزبان بحسب نتائج استطلاعات الرأي لنوايا التصويت قبل الفترة الانتخابية، من أجل الحصول على الأغلبية في البرلمان ما يمكنهما من تكوين الحكومة المقبلة. وتنفي حركة النهضة أي ارتباطات لها بجهاز سري أو بممارسة ضغوط على القضاء، كما تنفي أي مسؤولية لها في اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.