وقفت أستعرض متأملاً شريط ذكريات امتدت سنوات طوال حافلة بالكثير من مآثر رجل أغدق عليه الله عز وجل نعمة حب الخير والعطف على الناس، فكان بنعمة الله يحدّث، وبشكر الله يلهج.. عطاءً بلا حدود.. رأى في الدنيا متاعًا ليوم عظيم، فكان في حياته أسوةً حسنة يرجو الله واليوم الآخر.. وقدوة صالحة في تمسكه بشريعة الله في جميع شؤونه. شخصية إنسانية فذة طبعها الخالق بحسن الخُلُق وجبلها بحب الخَلْق.. جمع التواضع لله في عبادته وعلو الهمة في مواجهة الصعاب، واللين في رفقه بالضعيف والحزم في دفاعه عن الحق والشدة في التزامه بالعقيدة.. إنه المغفور له بإذن الله محمد بن عبدالعزيز الجميح. اختار الله للجميح أن يكون بابًا من أبواب الرزق، فكانت مجموعة الجميح التي تأسست في العام 1354ه (1936م) بأنشطتها المتنوعة في شتى المجالات ركيزةً صلبة للاقتصاد الوطني في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون، أبى الجميح إلا أن تكون متوافقةً تمامًا في جميع أعمالها مع أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها، تهيء الفرص لجميع أبنائنا على قدم المساواة. وقد قيّض لي الله عز وجل أن أكون واحدًا من كثيرين كان لهم شرف العمل مع هذا الرجل الذي استوى عنده الكبير والصغير والضعيف والقوي، فكان يعامل الجميع بالحسنى ويأخذ الجميع بالرفق، سواسية لا فضل إلا بالصدق والإخلاص والأمانة، أبًا حنونًا حازمًا، موجِّهًا صارمًا، يكافئ بحكمة ويحاسب بإرشاد، همه بناء العقول وطموحه إرساء الدعائم لأجيال الغد، فخورًا بكل ما نحققه من إنجازات. وكانت مشاركته في تأسيس مجموعة آركابيتا القابضة كشركة عالمية متخصصة في إدارة الاستثمارات البديلة المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وترأس مجلس إدارتها على مدى أكثر من خمسة عشر عامًا استثمرت خلالها أكثر من 30 مليار دولار أمريكي، فكان لنا معلمًا استقينا من تجاربه وقوة إيمانه وتشبثه بالحق، أراد لنفسه مرضاة الله عز وجل وجاهد أن يكون كل من حوله ملتزمًا بهذه المبادئ لا يحيد عنها. اللهم إنا نسألك له الرحمة والمغفرة فارحمه واعفُ عنه وأكرم نُزلَه، أحييته على الإسلام وتوفيته على الإيمان، ألهمنا من بعده أن نكون أوفياء لذكراه مخلصين لما زرعه في نفوسنا فيستمر جريان نهر حسناته بحسن أعمالنا، ونستودعك هذا الأب والأخ والصديق نفسًا راضيةً مرضية تدخل في عبادك وتدخل جنتك يا أرحم الراحمين.