رزقت المملكة بخيرات كثيرة لا تجعلنا نحتاج لأحد، وقد وهبها الله شعباً مثقفاً محباً متماسكاً متلاحماً، يدرك بيقظة حسه ما الذي يجري حوله، فيظل درعاً حصيناً للوطن، يفشل كل كذبة، ويبطل كل إشاعة، ويفند كل قصة لا تتسق مع الواقع والطموح.. لطالما كانت الحرب النفسية في التاريخ القديم جزءاً لا يتجزأ عن الحرب العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية.. حروب تقوم بها قيادة الاستخبارات لدولة معينة في السلم والحرب ضد عدو حقيقي أو عدو مرتقب. وكم كانت الحرب النفسية فاعلة في مواجهات وحروب عدة، بل إنها كانت ترجح الكفة بين الفائز والمنهزم بتدخلها السريع في أنفس الشعوب، وبالتالي عزيمة الجيوش وحلم وحكمة القيادات. إشاعة واحدة تستطيع تنمية الشكوك في القدرة والقوة والصبر والاستبسال ووجود العدالة من عدمها.. كذبة واحدة تستطيع تكبيل الأيدي وتشتيت العقول، وزرع الشقاق، وتفريق الصفوف، وقتل الحق تحت أقدام الباطل والطيش.. دعاية مغرضة واحدة تستطيع تهبيط معنويات الحليف، وتغيير رؤية الشراكة، وتدمير أسس وأواصر التحالف. ومما يشهد له أن طرق بثّ تلك الإشاعات والدعايات والكذبات لم يعد من السهل تحديد مصادرها، مع كثرة من يعملون في هذا المجال، وسهولة وصولهم للشعوب عن طريق شبكات التواصل، وتعدد ثياب من يصنعونها، وتماهي وجوههم، ومعطياتهم، ودوافعهم، على حسب قدرة وديمومة وتفاني من يدفع لهم. وفي خضم فوضى ما يحدث في الشرق الأوسط منذ عقد من الزمان، نجد أن الحروب النفسية تتعدد، وتتشابك، والموت واحد. المملكة تعتبر هدفاً وصيداً ثميناً لكل من أراد أن يطبق الحرب النفسية عليها، وعلى قيادتها وشعبها، لما تمتلكه من جغرافيا وتاريخ وأصول ومقدرات وثروات وأسس إسلامية عربية. لذلك أستطيع القول :إنها أكثر من مورس ضدها الحرب النفسية من دول وأحزاب، وإرهاب، وكتل سياسية، وميليشيات مسلحة، ودول عظمى، ودول تبحث عن مصلحة، ودول تسير في ركب إيران، ودول شقيقة عميلة خائنة، وقنوات لا تعرف للحق طريقاً من دون المال، فتسعى بكل عكس للحقائق لتختلق وتصنع الشقاق والعداء في داخل الشعوب، وتوقد النار بإشاعاتها وحروبها النفسية، التي تريد أن تهد كل مجتمع، وتشهد الخراب والدم بأي وسيلة كانت. الحكومة السعودية كانت وما تزال رصينة متحكمة وسطية لا تتوقف عند أي إشاعة أو كذبة، ولا تحاول الرد على الصغير فيكبر، ولا على الكبير فيطمع. وقد رزقت المملكة بخيرات كثيرة لا تجعلنا نحتاج لأحد، وقد وهبها الله شعباً مثقفاً محباً متماسكاً متلاحماً، يدرك بيقظة حسه ما الذي يجري حوله، فيظل درعاً حصيناً للوطن، يفشل كل كذبة، ويبطل كل إشاعة، ويفند كل قصة لا تتسق مع الواقع والطموح. لذلك استمرت السفينة السعودية تمخر عباب بحار شائعاتهم، وتخترق أمواج أحقادهم، وتظل بإيمانها تنظر للبعيد والعميق، ولا تتوقف عند عقبات التلوث النفسي، حتى ينقلب رمحاً في نفوس من كذبوا ومن أشاعوا ومن روجوا. كل حرب نفسية مرت بها سعوديتنا كانت تعبرها وتصبح أقوى وأكثر ثقة وترابطاً وقدرة وتجدداً في النظرة الحيوية المشرقة الواعية.. ولقد صدق الشاعر حينما قال: لو كل كلب عوى ألقمته حجرا لأصبح الصخر مثقالاً بدينار والمملكة كعادتها لا تريد رفع سعر الصخور أسوة بالبترول ولا رفع سعر القلوب النادرة، التي ما تزال تعرف ذاتها، وعروبتها، ولا تتبع فارسياً حاقداً، ولا عجمياً يطمح لخلافة، وتدع كل حاقد يأكل نفسه كالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله.