الشعوب العربية للأسف، لا تستحضر في ذاكرتها مواقف النخوة ومد الأيدي والوقوف مع الآخر ومزايا رد الجميل، بقدر ما تحمل في جيناتها من أسباب الشقاق والحقد والسقوط، فتضخمها وتجعلها رصاصة حية بسبطانة الأنفس يتم إطلاقها بقوة وشناعة في أقرب موقف عكسي بسيط.. لم يعد يظهر بين أغلب شعوب الدول العربية أي نوع من الوفاق، إلا فيما ندر، وفي حالات التأدب والمجاملات، وإظهار الترقي، والمحبة، والترابط، الذي يذكرنا بنكتة: وحدة ما يغلبها غلاب. التوحد بين الشعوب العربية، مسائل وقتية، وظرفية متقلبة، نتيجة ما تزرعه بعض الحكومات بينهم من المحبة، أو الحرص والتحفز، أو من العداء الواضح. وللأسف أن الشعوب العربية، لا تملك تغيير ما يحدث، رغم وجود رابط اللغة، الناطقة بلسان واحد، مهما اختلفنا في نقائه أو لكنته أو تشبعه بالمفردات الدخيلة. شعوب عربية، قدر لها من خلال تاريخ القرون الماضية، والأحداث المتداخلة، والصراعات الحكومية، أن تختزل في ذاكرتها، السيئ من أحداث الماضي، فما أن يتم إشعال قابس طارئ بينها، إلا وتنطلق الألسن، وتسطر أقلام النقمة على أوراق ما حدث، باجترار الماضي، بجفوة وفجور في الخصومة، وإنكار تام لأي صور ومواقف محبة وإخاء وتضحية تمت في السابق، وتعميم لأحداث بسيطة وفردية، تجعل الشق أوسع، بشكل مرير، ووجه جاحد. الشعوب العربية يا للأسف، لا تستحضر في ذاكرتها مواقف النخوة ومد الأيدي والوقوف مع الآخر، ومزايا رد الجميل، بقدر ما تحمل في جيناتها من أسباب الشقاق والحقد والسقوط، فتضخمها، وتجعلها رصاصة حية بسبطانة الأنفس، يتم إطلاقها بقوة وشناعة في أقرب موقف عكسي بسيط، حتى ولو كان موقف حكومة، أو لعبة رياضية، أو سقطة مثقف، أو حتى مجهول على مواقع التواصل، فتتفجر القنابل الذرية، ويتم نبش سماد الماضي، وإقصاء كل إيجابية وحسن نية، وتهميش أي نقطة تلاقٍ. وكم رأينا أن ذلك يُستغل، من قبل قنوات إعلامية خبيثة، أو منظمات أجنبية، أو حكومة دولة عميلة تعرف كيف تذكي النار بين الشعوب، لأغراض سياسية، أو لإلهاء شعبها عن أمر داخلي جلل، أو لأطماع بالبلد والشعب الآخر، لا يمكن حصوله، إلا بزرع الشقاق والخلاف بين الشعبين، وقد يستغل نزق مثقف خبيث يبحث لنفسه عن منبر شهرة، وربما أنه عميل لنظام أجنبي يسعى لزيادة وتسريع شق الصف العربي. نقص التعليم بين أفراد الشعوب العربية عامل آخر يمكن أن يؤكد ويسرع من نقاط الخلاف، كونه لا يستوعب أبعد من الأنف، والمقصود هنا ليس القراءة والكتابة، ولكن التعليم، الذي يجعل الوعي رباط صدق وتقدير بين الشعوب، فلا تهتز بما تسمع وترى، وتبحث دوما عن الأعذار للوصول إلى التآخي. أدوار عظيمة متوقعة من الحكومات العربية والمثقفين ومن الشعوب، لتقفز شعوبنا بالزانة على صاري كل خلاف يعترضهما، والمسارعة لدفنه في مكانه وزمانه، حتى لا يستعاد عند كل خلاف جديد، فالخلافات تحدث بين جميع شعوب الأرض، والكارثة أن تستمر بذات عين السوء، نافية عين الوفاء، والمحبة، ورد الجميل، والسماحة، ونشر السلام، بين إخوة جعلتهم الأحداث أعداء.