الحياة مجموعة من القيم والسلوكيات والعادات التي نعيشها ونتعايشها مع الناس، وتشكل في مجملها ثقافة الفرد والمجتمع، وغالبا يشاع منها ما هو جميل اجتماعيا كمظهر حضاري، فيما يخفى ما هو غير جيد منها، والسؤال الذي بحثنا عن إجابة له لدى المهتمين: هل تشكل السلوكيات الخاطئة إلى جانب القيم الحسنة ثقافة مجتمع ما؟ أم أن الثقافة ما استحسنه الناس وإن أخفق البعض منهم في التحلي به؟ وهل هناك إمكانية لتعديل السلوكيات والقيم والعادات الخاطئة ومعالجتها باعتبارها الثقافة الغائبة؟ «توارث الأجيال» وفي البداية يرى الدكتور عادل المكينزي استاذ الاعلام بجامعة الملك سعود ان الثقافة خليط من العادات والتقاليد، ويدخل فيها عامل الدين واللغة والموروث والممارسات التي تعتبر أم القيم، وبلا شك هي حامل اساسي للثقافة وتعطي لها قيمة بمعنى الثقل للثقافة، ولذلك القيم تمثل أساسا تتمايز به الأمم والثقافات بقيمها ولا شك ان القيم تمثل عنصرا أساسيا في الثقافة وحاملا لهذه الثقافة، لافتاً الى ان استحسان السلوك والقيم هو جانب من الجوانب التي تعد موردا لهذه الثقافة، فإذا استحسنوه بقى واذا لم يستحسنوه ظل كسلوك او مظهر او كممارسة، ولذلك لدينا في الشرع شيء اسمه الاستحسان لفظيا والاستحسان يجب ان يكون في سياق الثقافة من اهل النخبة والعلماء، ولا شك ان الاستحسان مع الوقت يصبح جزءا من الثقافة يمارسه الناس قولا وفعلا أو فكرا وتكون مع الزمن جزءا مهما من الثقافة. وأضاف المكينزي أن تغيير الثقافة في جانبها والذي لا يتفق مع التحضر أو الثقافة التي لا تليق بالإنسان بالإمكان أن تتعدل وتتغير، وقد وجدنا شعوبا في مستويات من العنصرية او النزاع انتقلت الى الوئام والسلام والعمل المشترك، ولكن يحتاج الأمر الى ان يسود العقلاء الساحة، ويقودون مسيرة التغيير من خلال برامج وانشطة تستطيع ان تقنع الناس بالتغيير، وأهمها تغيير المناهج التعليمية لأنها الطريق الذي تمر عليها جميع الاجيال ولسنوات طويلة، ويخرج من هذا المنتج التعليمي الإنسان الذي يحمل هذه الثقافة التي تحترم وتتعايش مع الآخر، وتحمل رسالة القيم والابداع والتعاون، ويمكن أن تورث للأجيال، ولذلك يجب ان تغرس باستخدام أدوات متنوعة كالإعلام والتعليم، وأكرر بأن هناك مساحة كبيرة للتغير لأي ثقافة، ولكن اذا وجدت الإرادة والبرامج والمناهج، وهذا سيساعد على تغيير الأجيال خاصة الأطفال الصغار مع دور الأسرة والمسجد والشارع، والذي يمكن ان نطلق عليه مشروع الإنسان الحضاري الذي يبني ويشعر انه جزء من هذه التنمية، فهذه الثقافة الحقيقية التي سيبقى أثرها على المدى الطويل، وذلك على مستوى الشعوب والأوطان. مؤكدا على أن القيم الايجابية ترفع من مستوى الثقافة وتجعل الانسان يتحول الى شخص حضاري يضيف الى هذا الكون إضافة جميلة. «التنشئة الاجتماعية» وأكد الدكتور فهد الطيار رئيس الدراسات المدنية بكلية الملك خالد العسكرية أن القيم والسلوكيات والعادات والتقاليد تعد من الأساسيات والضروريات التي تساعد الفرد أن يحيا حياة مستقرة في المجتمع الذي يعيش فيه أياً ما كان هذا المجتمع سواء كان قرية أو مدينة، مجتمع عربي أو أجنبي، ويكتسب الفرد هذه الأساسيات من خلال عملية التنشئة الاجتماعية طوال سنوات حياته، بداية من جماعة الأسرة والأهل والمدرسة والجامعة وبيئة العمل؛ ويلامس التغير جوانب الحياة سواء منها المادية أو المعنوية، فيمس الأفراد والجماعات والمجتمعات، ويمس القيم والعادات والثقافات. كما يرتبط بالتحضر والتنمية والنمو والتقدم والتكنولوجيا والإعلام وأسلوب الحكم، كما يمس التنشئة الاجتماعية وطريقة الحياة. وقال الطيار: السلوك الإيجابي كالتفاؤل والحماس مثلًا يجعلان من الأعمال أكثر سهولة وراحة وايجابية كما أنه يساعد على قدرتك في مواجهة المشكلات مما يسمح لك بالفرصة التي تجعلك تعيد شحن طاقتك ونشاطك، لذلك بصرف النظر عما يمكن أن يحدث حولك ولا بد أن تتمتع ببعض السلوكيات الإيجابية التي تساعدك على مواجهة مصاعب الحياة، ومن أهم السلوكيات الايجابية التي يجب الحرص على تدعيمها عند أفراد المجتمع الوعي والثقافة، التنمية والتطور، الاستثمار في العقول البشرية، واحترام حقوق المجتمع وواجباته؛ ويبقى الإنسان دائماً لديه القدرة على اكتساب سلوكيات جديدة من خلال مخالطة الآخرين ولكن القضية الهامة هنا هي أن هذه الأساسيات المتمثلة على ما ذكرناه سابقاً (قيم- عادات وتقاليد وسلوكيات) تشكل ثقافة المجتمع، وهذه الثقافة منها ما هو جيد ومنها ما هو غير جيد، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل منها اختلاف طباع وخصائص الأفراد والسفر والتنقل بين المجتمعات والانفتاح الإعلامي، وانتشار وتعدد وسائل التواصل الاجتماعي، مما ينتج عنه ضرورة وجود اختلاف الثقافات داخل المجتمع الواحد. وأشار الطيار الى أن السلوكيات الخاطئة الى جانب القيم الحسنة تمثل ثقافة المجتمع، فالقيم تشكل في النهاية ثقافة المجتمع كما أوضحنا سابقاً، وعلى ذلك فكلما كانت تلك القيم ايجابية انعكست على ثقافة المجتمع والعكس صحيح، ويمكن تعديل القيم والسلوكيات الخاطئة ومعالجتها شريطة تضافر كافة الجهود والمؤسسات التربوية والاجتماعية والإعلامية المختلفة في المجتمع السعودي. بالإضافة إلى توعية الأسرة ووسائل الإعلام والمدارس ورياض الأطفال والجامعات والمساجد، حيث إن الطفل الذي ينشأ في ظل قيم وعادات وتقاليد وسلوكيات صحيحة من الصعب أن يتأثر بالسليبات عند الكبر. فالسلوك الإيجابي أمر مهم لضمان امتلاك حياة ممتعة ومرضية، ويسهّل تطوير السلوك الإيجابي من خلال التعرّف على المشاعر الإيجابية والتأمل بها أثناء اختبارها. «رفقاء الحياة» وأوضح الدكتور محمد بن مترك القحطاني أستاذ علم النفس أن الثقافة والقيم والسلوكيات موجودة لدى جميع المجتمعات والأفراد، وهي تنشء من خلال الوالدين والأسرة والأصدقاء والرفقاء في الحياة ومن خلال التفاعل مع المعلمين والمعلمات في المدرسة ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام وممارسة العمل، ومن خلال المجتمع بشكل عام وتصبح فيما بعد ثقافة واسعة ومكتسبة لدى أفراد المجتمع بمختلف طبقاتهم وبغض النظر عن كونها سلوكيات خاطئة أو صحيحة، ومن المفترض أن تكون هذه السلوكيات صحيحة وسليمة، وينتج عنها توافق نفسي واجتماعي وسلوكي، وهذا يجعل الفرد يعيش براحة وداخل مجتمع سليم وصحي، وينتج عن ذلك علاقات تتميز بالتوافق بين الأزواج وبين أفراد الأسرة الواحدة، وتتكون صداقات صحية داخل نطاق العمل بين الموظفين والرؤساء. وأشار القحطاني إلى أن معيار أن تكون الثقافة والسلوكيات صحيحة تتلخص في عدة أمور وهي الدين فالقرآن الكريم والسنة النبوية والصحابة والسلف الصالح أفادونا بالكثير من القيم والسلوكيات والأخلاق والتي تفيدنا في حياتنا النفسية والاجتماعية والعائلية والعملية، فكلما كان الوازع الديني الوسطي والصحيح لدى الفرد كلما نمت لديه سلوكيات وقيم أفضل ثم تأتي التربية الصحيحة والسليمة الوسطية القائمة على الحب وتقبل الطرف الآخر وعلى التسامح وحب الخير والتعامل بالإحسان مع الآخرين، وقد يكتسب الفرد قيم وسلوكيات أخرى ممن يخالطهم اذا كانوا أشخاصا أسوياء متفائلين ويمتازون بمهارات إيجابية، ووسائل التواصل الاجتماعي والاعلام لهم دور كبير في إكساب المجتمع القيم والسلوكيات الصحيحة. واكد على امكانية معالجة القيم والسلوكيات اذا كانت خاطئة مثل سلوك النرفزة والسرعة أثناء القيادة وعدم السماح ورمي النفايات والغضب لأتفه الأسباب، وذلك من خلال عدة خطوات أولها الوعي بوجود مشكلة لدى سلوك الفرد وان يسعي لتغيير هذه السلوكيات وان يضع بدائل لهذه السلوكيات الخاطئة، وذلك من خلال الممارسة والتدريب والوعي وتطبيق النصائح التي يسمعها من المحيطين به. «تصحيح المفاهيم» وقال الدكتور زيد الفضيل كاتب وباحث: في تصوري أن المجتمعات تطرح عاداتها بالصورة التي تتوافق مع ثقافتها الدينية والمجتمعات عادة لا تخالف العادات والتقاليد المفاهيم الدينية الرئيسية وليس المفاهيم الأحادية، بمعنى أن من الضروري جدا أن تكون عادات وتقاليد أي مجتمع متطابقة مع مفهومه الديني الصحيح الذي يتفق عليه جميع العلماء، وليس على الأطر الفردية أو الاجتهادات الفردية التي تنطلق من رؤية أحادية. وأهم القواعد الرئيسية لتعديل السلوكيات الخاطئة تنطلق من تصحيح المفاهيم، وأن يقوم بتصحيحها أشخاص أكفاء وثقات، وبالتالي بإمكانهم أن يعدلوا السلوكيات الخاطئة. د.فهد الطيار: استثمار إيجابي للعقل د.محمد القحطاني: ترويض للعادات الخاطئة د.زيد الفضيل: خطاب معتدل يتجاوز الفردية د.عادل المكينزي: قيم تتمايز بها الأمم