يتفاعل الشاعر مع مُثيرات العواطف كما تتفاعل الأرض مع المطر، وكما تعمل الرياح بأغصان الشجر.. هذا التفاعل الداخلي يتجلّى في إبداع شاعري يُجسّدُ العواطف ويجعلها تنبض بالحياة، وتؤثر في الناس على مَرِّ الأجيال.. مَرّ العيد على شاعر العربية الكبير أبي الطيب المتنبي وهو شريدٌ طريد، بعيدٌ عن الأهل والأحباب، فجسّد عواطفه الداخلية إزاء هذا الموقف، وكأنّ تلك العواطف تماثيل من الفنّ يراها كل ذي عين، ويخفق معها ولها كل ذي قلب: يُضاحِكُ في ذا العِيدِ كُلٌّ حَبيبَهُ حِذائي وَأبكي مَنْ أُحِبّ وَأنْدُبُ أحِنُّ إلى أهْلي وَأهْوَى لِقَاءَهُمْ وَأينَ مِنَ المُشْتَاقِ عَنقاءُ مغرِبُ؟! وتتصارع المشاعر في قلب الأمير عبدالله الفيصل بين حُبّ غالب وشك لاهب، فُيجسّد عواطفه في رائعتة التي صدحت بها كوكب الشرق فبقيت على مرّ العصور: أَكَادُ أَشُكُّ في نَفْسِي لأَنِّي أَكَادُ أَشُكُّ فيكَ وأَنْتَ مِنِّي يَقُولُ النَّاسُ إنَّكَ خِنْتَ عَهْدِي وَلَمْ تَحْفَظْ هَوَايَ وَلَمْ تَصُنِّي وَأنْتَ مُنَايَ أَجْمَعُهَا مَشَتْ بِي إلَيْكَ خُطَى الشَّبَابِ المُطْمَئِنِّ يُكَذِّبُ فِيكَ كُلَّ النَّاسِ قَلْبِي وَتَسْمَعُ فِيكَ كُلَّ النَّاسِ أُذْنِي وَكَمْ طَافَتْ عَلَيَّ ظِلاَلُ شَكٍّ أَقَضَّتْ مَضْجَعِي وَاسْتَعْبَدَتْنِي كَأَنِّي طَافَ بِي رَكْبُ اللَيَالِي يُحَدِّثُ عَنْكَ فِي الدُّنْيَا وَعَنِّي عَلَى أَنِّي أُغَالِطُ فِيكَ سَمْعِي وَتُبْصِرُ فِيكَ غَيْرَ الشَّكِّ عَيْنِي وَمَا أَنَا بِالمُصَدِّقِ فِيكَ قَوْلاً وَلَكِنِّي شَقِيتُ بِحُسْنِ ظَنِّي وَبِي مَمَّا يُسَاوِرُنِي كَثِيرٌ مِنَ الشَّجَنِ المُؤَرِّقِ لاَ تَدَعْنِي تُعَذَّبُ فِي لَهِيبِ الشَّكِّ رُوحِي وَتَشْقَى بِالظُّنُونِ وَبِالتَّمَنِّي أَجِبْنِي إِذْ سَأَلْتُكَ هَلْ صَحِيحٌ حَدِيثُ النَّاسِ خُنْتَ؟ أَلَمْ تَخُنِّي؟ ويرى ابن الرومي امرأة باهرة الجمال ساحرة العينين، فيجسّد ما تغلغل في قلبه من هذا المنظر: ويْلاهُ إنْ نَظَرتْ وإن هِيَ أعْرضتْ وقْعُ السِّهام ونَزْعُهُنَّ أليمُ وكل البشر، عدا من قلوبهم حجر، تمر بهم مواقف ومناظر تهز قلوبهم هزًّا، وتُثير مواجدهم جدا، ولكنّ الشاعر - وحده - بمواهبه الشعرية، وصوره الفنية، قادر على تجسيد عواطفه المضطرمة في داخله، فيجعلها تخرج إلى الوجود كألماسة تتوهّج حتى في الظلام، وتظل تنبض بالحياة رغم موت صاحبها بمئات السنين.