هل للأماكن ذاكرة حية؟ هل تعلق روائحنا بالأشياء الجامدة وتتشبث ببشارة الخشب منها بعد رحيلنا؟ هل تحفظ بسط المنزل آثار خطانا؟ بقايا الصمت والصوت، بقايا الهمس والصياح، الأسرار التي قيلت، الصخب الذي كان بكل تفاصيله؟ ما معنى الحنين للأشياء؟ أن يتحرك بداخلك شوق عظيم ليس للإنسي الذين كانوا وما عادوا، ولكن للجامدات الرابضة تراقبك، تشم رائحتك، تحتفظ في خلاياها الخشبية بنتف ذكراك المنشورة في الهواء، المقعد الذي لا يعني لغيرك شيئًا لكنه كل الشوق والدفء لك، الجدران المكشوط طلاؤها في منزلك القديم، الغرف الضيقة التي تحمل آثار خَطْوِك الأول، الصورة الحائل لونها على الجدار، التي تهيج لها دموع عجوز، تحكي قصتها شابة تحكي زمنًا أغبر تحكي ألوانًا ما عدنا نراها.. هل سبق أن ضمت حناياك حنينًا وتوقًا للصوت، للرائحة، للمكان ولا شيء غير المكان؟ لكأنما الشاعر كان في قلب كلٍّ منا حينما أنشد بيتي الحب الخالدين: نَقِّلْ فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِن الهَوى ما الحُبُّ إلاّ للحَبيبِ الأوَّلِ كَمْ مَنزِلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفَتى وحَنينُهُ أبداً لأوَّلِ مَنزِلِ