الاهتمام بتنوع أذواق المجتمع يعطي للحياة معنى، ويشبع الاحتياجات النفسية والثقافية للآخرين، فمنذ فترة من الزمن، أخذ إطلاق لقب المدن على أنواع وأشكال مختلفة من الاهتمامات الإنسانية، فهناك المدن الرياضية في معظم بلدان العالم، والمدن الترفيهية، ومدن الألعاب والتسلية مثل مدينة ديزني، والمدن السياحية في معظم بلدان العالم، والمدن السينمائية مثل هوليوود (Hollywood)، والمدن الذكية بناء على التخطيط العمراني الحديث المعتمد على ربط الحياة بالتقنية، والمدن الصناعية المتمثلة بإنتاج الصناعات وتصديرها، ومثل هذه المصطلحات والتسميات تتواكب مع تطور وتقدم العصر، وتميز بعض المدن عن غيرها، كما يعد بعضها تسويقاً يعكس توجه هذه المدن. لقد تناول القرآن الكريم مجموعة كبيرة من الموضوعات المتعلقة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلا أن قضية وموضوع (القراءة) كان أول موضوع تناوله القرآن الكريم على الإطلاق مما يدل على أهمية تلك القضية، فأول آيات نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هي قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) سورة العلق. ولو كان هناك قضية أهم من تلك القضية لبدأ بها القرآن الكريم، فالقراءة تعد مفتاح فهم الحياة الدينية وفهم الحياة الاجتماعية، ومن دونها سيظل الإنسان حائراً بين ركام من التساؤلات الغامضة والمفتوحة. ونجد أيضاً أن أول موضوع تناوله القرآن الكريم مع بداية خلق الله لأبونا آدم عليه السلام هو موضوع (العلم والمعرفة) حيث قال تعالى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) سورة البقرة. ومما يؤكد أهمية القراءة والعلم أن الله تعالى لم يأمر بالزيادة إلا في أعمال وفضائل معينة ومن بينها العلم والمعرفة قال تعالى: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) سورة طه. كل هذه يؤكد أهمية وجود مدن صغيرة تهتم (بالقراءة) في كل منطقة بحيث يكون لها نشاط دائم وفعالياتها المستمرة هدفها تأصيل عادة القراءة في حياة الناس، وتشجيعهم عليها، فلماذا لا تكون هناك مدينة القراءة وتتبناها وزارة الثقافة؟.