عندما يرحل الكبار من دار الفناء إلى دار الخلود والنعيم، ستبقى سيرتهم العطرة زاخرة بالعطاء وحافلة بذكرى أخلاقهم العالية وأعمالهم الجليلة الخالدة. من أولئك الرجال الأستاذ فهد بن خالد بن أحمد السديري - رحمه الله - الذي وافته المنية يوم الأربعاء الماضي، وستبقى ذكراه خالدة في عقول محبيه على امتداد الوطن لدماثة أخلاقه. عرفته أميراً لمنطقة نجران من خلال زياراتي إلى المنطقة كمسؤول في وزارة الصحة تتطلب مهام عملي التجوال على المناطق للوقوف على احتياجاتها من الخدمات الصحية.. وكان أبو مشعل حريصاً على لقاء ممثلي الأجهزة الحكومية القادمين من مراكز القرار حرصاً منه - تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته - على تعزيز الخدمات وتطويرها في المنطقة في إطار اهتمامه الكبير بمواطنيها، وتأمين ما يحتاجون إليه من خدمات، وقد كنا ندخل معه في حوار شفاف ودقيق تميز فيه بالطرح العميق الواعي المستنير والوضوح، تلمس في أي حوار معه إلمامه الكامل بخدمات القطاع الصحي وتفاصيل القصور الذي يراه ويتمنى استكماله رغبة في توفير أفضل الخدمات لسكان المنطقة، ويؤكد دوماً على سعيه لأن تكون الخدمات في مدينة نجران مميزة. كان حريصاً على التواصل مع المسؤول الزائر لمتابعة ما تم بحثه للمزيد من الاطمئنان على استكمال الخدمات، وشهدت منطقة نجران نمواً وتطوراً في مختلف المجالات بفضل من الله ثم اهتمام ودعم القيادة الرشيدة، ووقوفه متابعاً مع الأجهزة الحكومية لتنفيذ التوجيهات السامية لخدمة المنطقة، ومع حزمه في الإشراف والتوجيه والإدارة كان يحمل روحاً طيبة وقلباً كبيراً، ويتعامل بتواضع مع الجميع إلى درجة تشعر الآخر بالخجل، حيث تعامله الشخصي مع عامة الناس كبيرهم وصغيرهم في ميزان الاحترام والتقدير مع المحافظة على السجية الأصيلة في التعامل الشخصي بإنزال الناس منازلهم، وامتدت علاقتي بالفقيد - رحمه الله - في زيارات خاصة بعد أن ترك العمل، حيث كان يقضي إجازته في (إيفيان) تلك البلدة الحالمة على ضفاف بحيرة جنيف، وكنت ألتقي به بشكل أسبوعي إن لم يكن أقل من ذلك.. فرأيته الرجل الكريم، دمث الأخلاق، عالي الثقافة، القارئ النهم، المحب للمثقفين ورجالات العلم، المحب للشعر الذي يحفظ الكثير منه. كان الراحل يتمتع بسجايا حميدة قلما توجد في غيره، يحترم الوقت، وهو مستمع جيد وفي ذات الوقت محاور لبق ينم عن ثقافة عميقة، إذا زرته يشعرك بسعادة عند اللقاء ورغبته في أن يمتد عنده البقاء، رأيته آخر مرة عندما زرته في منزله في رمضان الماضي وكان كعادته مضيافاً وبشوشاً رغم معاناته مع المرض. رحل عاشق العلم والداعم لنشره في ربوع الوطن من خلال جائزة خالد السديري للتفوق العلمي التي تمثل وهجاً من بعض تجلياته في خدمة الوطن والعلم والعلماء.. رحل الرجل الشغوف بالأدب والثقافة.. رحل صاحب مكارم الأخلاق فلم أسمعه قط يذكر أحداً بسوء ولو استضافه أحد على فنجان من القهوة لأتصل به في اليوم التالي لشكره والثناء عليه. رحل الإنسان المعطاء المحب للخير الحريص على الأعمال الإنسانية فقد كان حريصاً على إغاثة الملهوف والمنكوب من خلال عمله في رئاسة إحدى الجمعيات الخيرية. .. وإيمانا بقضاء الله وقدره لا نملك إلا أن نرفع الأكف إلى الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته، وأن يجعل الفردوس الأعلى منزلته، وأن يحسن العزاء لأسرته الكريمة ولجميع ذويه ومحبيه، وأن يلهمهم الصبر والسلوان ويجزيهم به أعظم الأجر. إنا لله وإنا إليه راجعون. * أمين عام المنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر