قديماً كان أفراد الأسرة يجتمعون على المائدة.. واليوم الأغلبية يتوجهون إلى المطاعم أو يطلبون عبر تطبيقات الجوال قرّر صالح وصديقه خالد أن يقوما بمغامرة لا تنسى في حياتهما، فهما في مقتبل الشباب، حيث تخطى عمرهما الخمسة عشر عاماً، هذه المغامرة تقتضي ارتياد أحد المقاهي الذي يقع في أطراف قريتهما على الطريق العام وتناول وجبة الغداء، حيث لم يعتد أحد في تلك الفترة من الناس أن يرتاد تلك المقاهي فهي مخصصة للمسافرين فقط، وكانت تقدم نوعاً واحداً من الطعام هو الأرز مع الدجاج المشوي، وكذلك المرق والخبز، إضافةً إلى الشاي وبعض المرطبات، دخلا إلى المقهى وهما في حالة ارتباك من أن يراهما أحد الأقارب أو المعارف فيشي بهما إلى ذويهما، مما يعني إيقاع العقاب جراء هذا العمل الذي كان في وقتهما كجريمة تستحق العقاب، فجل رواد هذا المقهى من كبار السن من المسافرين سواء من قائدي سيارات التاكسي أو النقل، أو المتنقلين بين القرى والمدن من أجل قضاء حوائجهم، جلسا في زاوية بعيدة في آخر المقهى وطلبا من المباشر وجبة غداء من الأرز والدجاج، ولما أحضرها لهما أجهزا عليها بسرعة ومن ثم دفعا الحساب وقاما بغسل أيديهما على عجل وغادرا مسرعين إلى القرية وهما فرحان بنجاح هذه المغامرة التي لا زالا يتذكراها رغم مرور عشرات السنين، ويتذكرا أيضاً طعم تلك الوجبة اللذيذ وهما يضحكان، تلك الحادثة والمغامرة السعيدة كانت توثيقا لفترة كان فيها رواد المطاعم هم فقط من يضطرون إلى ذلك فقط، فالكل يأكل في بيته من طبخ والدته أو زوجته، بل من طبخ نفسه إن كان عازباً أو مغترباً، وبات الناس على هذه الحال حتى بدت سنين الطفرة، والتي واكبت افتتاح المخابز والمطاعم التي باتت تقدم الأكلات الشعبية في حينها، وفي بدايتها كان يتم بيع الفول والخبز والشابورة في عربات متنقلة، بحيث يقوم البائع بطبخ الفول في بيته ثم يخبز الخبز منذ بزوغ الفجر، ومع طلوع النهار يجوب الشوارع والأزقة ويبيع ما لديه من طعام للفطور، حيث يتهافت الناس لشراء ما لديه، بعد ذلك توالى افتتاح المطاعم التي تقدم وجبات للغداء والعشاء، وعلى الرغم من ذلك فإن جل مرتاديها من المضطرين إلى الشراء منها كالعزاب والمسافرين القادمين إلى المدن لإنجاز أعمالهم ومعاملاتهم. تطبيقات ذكية ومع مرور الزمن زاد إقبال الناس على المطاعم وتوسعت في الانتشار حتى بلغت ما هي عليه اليوم، وصارت تجد الإقبال من الجميع، بل اختفت ثقافة العيب التي كانت تلتصق بمرتادي هذه المطاعم قديماً، حيث كان من يرتادها يواجه النقد والعبارات التي تنتقد تصرفه، ويسمع من يقول عنه: «ما عنده بيت»، أو «ما له أهل»، واستمر افتتاح المطاعم ومحلات تقديم الوجبات السريعة وانتشرت بسرعة وصار لها روادها، ثم بدأت كذلك افتتاح أقسام للعائلات في البداية بمطاعم الطرق السريعة لحاجة المسافرين إلى ذلك، وأخيراً انتشرت مطاعم العوائل في كافة المدن ولاقت رواجاً كبيراً، إذ بات يؤمها الكثير من العوائل التي ترتادها من أجل الترفيه والتغيير لروتين الحياة، وأخيراً وفي زمننا هذا تنوعت المطاعم وتعددت وباتت تقدم ألذ الأكلات الشعبية والعربية والعالمية، إضافةً إلى المقاهي التي باتت هي الأخرى تقدم العديد من الأكلات والحلويات بعد أن كانت تقدم المشروبات الساخنة والباردة، وانتشرت كذلك فروع لعدد من المطاعم العالمية، والعجيب في الأمر أن هذه المطاعم والبوفيهات والمقاهي تعج بالرواد وتلاقي زحاماً شديداً، خاصةً المطاعم المخصصة للعوائل حتى ليخيل إليك بأنه لا أحد يطبخ في بيته، بل تعدى الأمر أنه لا بد لكل بيت من تناول وجبة على الأقل من الوجبات اليومية الثلاث من المطعم، وصار الكثير من الشباب والشابات يطلبون وجباتهم من المطاعم التي تقوم بإيصال الطلبات إلى البيوت الذي كان في البداية مجاناً إذا كان الطلب يفوق مبلغاً معيناً في إغراء للمستهلكين لاستمرار جذبهم لطلب المزيد من منتجاتهم مستقبلاً، ومع تعدد المطاعم وتنوعها وفي عصر التقنية وانتشار التطبيقات الذكية (هنقرستيشن، مرسول، وغيرها) بات بإمكان أي شخص أن يطلب ما شاء مما لذ وطاب من المأكولات بضغطة زر، فما هي سوى دقائق معدودة ويصل الطعام إلى باب المنزل بعد أن تضاف إلى الفاتورة قيمة التوصيل التي تزيد وتنقص بحسب بعد المنزل أو قربه، وبذا ودّع الكثير أكل المنزل الصحي اللذيذ ولمّة الأسرة على سفرة واحدة. لمّة الأسرة ولم يعرف الناس الأكل فيما مضى في المطاعم إلاّ مضطرين، كأن يكونوا على سفر لا يستطيعون معه إعداد الطعام لطول المسافة، أو في مناسبات كبيرة جداً كالزواج مثلاً، حيث كان إعداد الطعام مهمة يومية تقوم بها ربة البيت، فتعد الوجبات الرئيسية الثلاث، ويكون موعد تقديم كل وجبة ثابت يومي وبحضور جميع أفراد الأسرة على سفرة واحدة يتم خلالها تناول الطعام والاستئناس بالحديث مع جميع أفراد الأسرة، إذ يتخلل هذا الجو مناقشة جميع المستجدات التي تواجه الأسرة كسير التعليم أو التوجيه إلى الفعل السليم عند حدوث أي مشكلة مع الأبناء سواءً مع أبناء الجيران أو مع أقرانهم بالمدرسة، كما يستمع الأبناء إلى التوجيه والقصص الجميلة والحكم من الوالدين، كما لا يخلو الجو من المداعبة ورسم البسمة على الوجوه، فقد كانت تلك الجلسات الجميلة للأسرة حول موائد الطعام الجماعية يومياً بمثابة فرصة للتوجيه والمتابعة للأبناء من قبل والديهم، كما يجد الأبناء متسعاً من الوقت لطرح همومهم وما يواجههم من مصاعب الحياة على والديهم بانتظار التوجيه المناسب، وفرصة لتعليمهم بعض الدروس المهمة التي تعينهم في حياتهم ومستقبلهم، مما يسمعونه من حكم وقصص للعبرة والعظة، وتوجيه مباشر لكل فعل مشين قد يؤثر في مسيرتهم الحياتية في المستقبل. المقاهي والمطاعم وفي بداية انتشار المطاعم في بلادنا، كان ذلك في المدن الكبرى كالعاصمة الرياض ومدن الحجاز التي تستقبل الحجاج والمعتمرين والشرقية التي تحتضن مشاريع النفط الكبرى، فمن أول المطاعم التي عرفتها الرياض قديماً هي قهوة «العويد»، وهي من أشهر المقاهي في الرياض على وجه الإطلاق، يؤمها الرياضيون والصحافيون والكتّاب ورجال الأعمال، حيث يجدون فيها متنفساً لهم من حر المدينة الذي يبعث في النفس السأم والتعب، فيجتمعون كلٌ في حلقة يتسامرون ويتناولون فيها الشاي والمشروبات الغازية، كما يتناول البعض فيها العشاء المقتصر على الكبسة ومرق اللحم والخبز، كما كانت هنالك بعض المقاهي التي لا تبتعد كثيراً عن مقهى «العويد»، حيث تتقارب مقاهي خريص مع مقاهي طريق الحجاز -كيلو 6- ويتشابه النزلاء، فمن بين عابر إلى سائق تاكسي إلى بعض المرتادين الذين جمعهم المكان لاحتساء الشاي وتناول الطعام، وهناك أيضاً قهوة «أبو رشيد»، التي كانت تقدم المأكولات بأسعار زهيدة وبالقروش، حيث قيمة «مرق القرع» على سبيل المثال وهي ألذ ما كان يقدم بقرشين فقط، ثم بعد ذلك ازداد افتتاح المطاعم في الرياض مثل مطاعم «العجلية»، ومطعم «فندق صحارى» -أول فندق عرفته الرياض-، ومطعم «كازينو الرياض»، ومطعم «القباني»، ومطاعم «الحلة»، أمّا في عالم المطاعم والوجبات السريعة فتظل مدينة الرياض ومعظم مدن المملكة قديمة العهد بالأكلات والوجبات المستوردة، فرغم الانتشار المبكر للمشروبات الغازية والحلويات التركية، بدأت ثقافة الوجبات المستوردة أواخر التسعينات الهجرية وبداية الثمانينات الميلادية، حيث عرفت مدن المملكة شطائر أو «ساندويتش» الشاورما ووجبات «البرجر» التي انتشرت بصورة جلية منذ منتصف العقد الأول للقرن الهجري الحالي، وساعد في انتشارها التوكيلات الجديدة للمطاعم العالمية ك»هارديز» و»ماك برقر»، وقبلها كانت مطاعم «هرفي» الوطنية قد بدأت نشاطها من عام 1401ه، كما بدأت وجبات سنادويتش الفلافل المشكل في مدينة الرياض من حي الملز في شارع زيد بن الخطاب منذ عام 1403ه، وتأخرت مطاعم الفطائر الساخنة بمعناها الحالي إلى نهاية الثمانينات وبدايات التسعينات الميلادية، في حين وجدت وجبة «البروستد» قبولاً منقطع النظير في بعض أحياء الفاخرة وشارع الوشم، إلاّ أن الانتشار الحقيقي لها بدأ متزامناً مع وجبتي «الشاورما» و»البرجر» منذ بداية الثمانينات الميلادية، وكان لمطعم «الكوخ» بالملز ومطعم «غوار» مغامرات وليالي وأماسيّ جميلة مع زبائن الوجبات آنذاك، وكان حال وجبة «البيتزا» الإيطالية كحال وجبة «البرجر»، حيث عرفها الناس أولاً في الأسواق «السوبر ماركت»، تؤخذ مثلجة وتطهى في المنازل، إلاّ أن انتشار مطاعم «البيتزا» تأخر إلى نهاية الثمانينات الميلادية، في حين عرف الناس طفرة «المايونيز» في منتصف الثمانينات، وكانت معظم المطاعم تقتصر نشاطها على الأفراد، وفي التسعينات الميلادية انتشرت ثقافة المطاعم العائلية، وبدأت الأسر تقضي في المطاعم ساعات ماتعة حيث يجتمع الأب مع أبنائه على طاولة واحدة، كما انتشرت محلات ال»كوفي شوب» وعرفت حينها الأسر السعودية أنواعاً جديدة من القهوة التركية والإيطالية، كما عُرفت ال»دونات» وال»تراميسو» وكعكات ال»سينيبون»، وفي أواخر التسعينات الميلادية ظهرت مقاهي «الإنترنت»، وانتشرت مراكز العصائر الطازجة، وعرف الناس أكثر الأكلات الصينية والهندية والإيطالية. إقبال كبير وتحظى المطاعم ومحلات الوجبات السريعة بإقبال كبير ومتزايد من قبل مرتاديها، وساهمت خدمة التوصيل عن طريق تلك المطاعم أو عن طريق طلب التوصيل من قبل أصحاب التطبيقات الذكية الذين يتولون إيصال الطلب بمبلغ معين بالاتفاق مع أصحاب تلك المطاعم في زيادة إقبال الناس عليها، وأصبحت مطابخ البيوت خاوية من الطبخ بعد أن كانت نارها دائماً مشتعلة وفيها تعد وجبات الطعام الثلاث بل وطعام الوليمة وان كانت ذبيحة كاملة، ولعل نمط الحياة اليوم الذي اختلف عن السابق وذلك بتغير أوقات النوم والاستيقاظ وتغير فترات العمل التي بعضها بات بالمساء إلى ما بعد منتصف الليل له دور في ذلك، فبات من النادر اجتماع أهل المنزل الواحد على سفرة واحدة، كما أن تغير ألوان الطعام وتعدد أشكاله له دور آخر، فمن النادر أن يجتمع أهل البيت وخصوصاً من الشباب والأطفال على نوع واحد ومطعم واحد، فكل له ميوله وذائقته، كما أن الكثير بات يفضل الأكل في المطاعم والمقاهي بصحبة أقرانه بعيداً عن المنزل، وبذلك هجر معظم الناس اليوم طبخ الأمهات اللذيذ والصحي واستبدلوه بأكل المطاعم التي من الصعب الحكم على نظافتها أو صحة ما يقدم فيها رغم الجهود المكثفة التي تقوم بها أمانات وبلديات المناطق والمحافظات والمراكز في التفتيش وتطبيق الأنظمة والتعليمات لتقديم أكل صحي وكشف المتلاعبين بصحة المواطنين بما يقدمونه من أكلات فاسدة، كما تقوم وزارة التجارة بواجبها في مراقبة الأسعار والأسواق والمنتجات التي تقدمها المطاعم، وبين الفينة والأخرى نشاهد العديد من المطاعم التي يتم إغلاقها وتغريمها بسبب مخالفتها للاشتراطات الصحية لتقديم الوجبات على اختلاف أنواعها، وفي ظل استمرار هذا النمط السلوكي في تناول وجبات الغذاء من المطاعم وخصوصاً مطاعم الوجبات السريعة والتعود عليه يومياً فإن ذلك فيه خطر على الصحة العامة مما يؤدي إلى انتشار العديد من الأمراض، وعبر ما تقدمه تلك المطاعم من زيوت مشبعة وكميات عالية من الدهون والبروتينات والسكريات التي تُخزن في الجسم وتُسبب زيادة كبيرة في الوزن، كما تؤثر هذه الوجبات بشكل سلبي في جينات الجسم المسؤولة عن السمنة، وتؤدي بالمُصاب بها إلى الوفاة أحياناً، الأمر الذي يستلزم التوعية بأضرار الإفراط في تناول الوجبات في المطاعم والحث على العودة الى أكل البيت الصحي المضمون. في الماضي كان الأهالي لا يعرفون سوى أكل البيت المقاهي على الطُرق كانت تقدم وجبات الأرز والدجاج الوجبات السريعة باتت خيار جيل اليوم من الشباب والفتيات خدمات التوصيل ساهمت في زيادة مكاسب المطاعم المقاهي الحديثة ملتقى الشباب اليومي الآن تنوع المطاعم في تقديم الوجبات ساهم بشكل كبير في الإقبال عليه