في أوائل القرن الماضي وضع سيغموند فرويد كتاباً يحلل فيه شخصية الرئيس الأميركي وودرو ويلسون. يبدو هذا عادياً الآن، لكن وقتها كان هذا شيئاً صادماً غير مألوف، وكان من أول الكتب التي حاولت تحليل شخصية شهيرة، حتى إن فرويد لم يجرؤ أن ينشره في حياة ويلسون، بل انتظر وفاة زوجته، ولم يُنشَر الكتاب إلا في 1966م بعد 25 سنة من وفاة فرويد نفسه! ماذا قال في كتابه؟ قال: إن ويلسون عانى من اضطرابات عميقة في الشخصية حالت دون قدرته أن يصل لحل سلمي دائم بعد الحرب العالمية الأولى، مشيراً إلى تعنّت ويلسون الذي فشل في إقناع حكومته بتوقيع معاهدة فيرساي، وكذلك الانضمام لعصبة الأمم. قال فرويد: إن ويلسون شخص عصابي، سيطر أبوه على شخصيته، وبالغت أمه في حمايته، ولم يملك عزيمة رجولية كافية لإقرار وتنفيذ سياساته، وأخيراً قال: إنه اتصف بعقدة المنقذ واحتاج إطراءً وعبادة مستمرة ليرضي غروره. لا عجب أن فرويد تردد في نشره آنذاك! وقد قال في حياته عبارة مناسبة: "كم تقدمنا في هذا الزمن، في القرون الوسطى كان الناس سيحرقونني علناً، أما اليوم فيكتفون بحرق كتبي". اليوم لا يتردد أحد في الغرب من مثل ذلك، بل وضع كاتب أميركي كتاباً اسمه جنون من الدرجة الأولى قال فيه: إن الاضطرابات النفسية هي التي تدفع الكثير من الناس نحو العظمة والشهرة أصلاً، وذكر عدة مشاهير من التاريخ، وحلّلهم نفسياً ليبين الآلام التي عانوا منها، منهم مثلاً وينستون تشيرشل رئيس الوزراء البريطاني في منتصف القرن الماضي، والذي قاد بريطانيا لأن تنجو من قبضة العملاق الألماني في الحرب العالمية الثانية، فقد كان يعاني نوبات اكتئابية حادة، وفكر في الانتحار كثيراً، مضطرب المزاج، متذبذب النفسية، إما في حفرة اكتئابية مظلمة أو في قمة حماسية واثقة، وهذه الصفات - كما يرى مؤلف الكتاب - وغيرها من الاضطرابات النفسية هي وقود الإبداع والعظمة، ونال الكتاب نجاحاً كبيراً. ليت فرويد حي اليوم؛ لينال الرضا والشهرة بدلاً من اللوم والغضب!