إلى أي مدى أنتَ ظاهر على حقيقتك وتتصرف على طبيعتك؟ جميعنا نُظهر لأنفسنا قبل الآخرين أننا على طبيعتنا، بينما تكون هذه الفكرة هي أول دلائل التظاهر. يبدو لنا، ربما جميعًا، أن منّا من هو متظاهر ومنا من لا يتظاهر أبدًا، لكننا جميعًا - في الحقيقة - نتظاهر، الفارق هو أن نسبة تظاهرنا تختلف، فنحن جميعًا نطبق مبدأ لكل مقام مقال أحيانًا - على سبيل المثال - بطريقة تجعلنا متظاهرين بما ليس فينا، ونماشي الذوق العام، ونعيش وفق عادات وتقاليد معينة، وتحكمنا قوانين وأحكام. هل هذا نفاق؟ لا أعتقد ذلك، إن النفاق - في رأيي - يظهر إنسانية كاذبة - مثلًا - أو يدعي إيمانًا غير حقيقي. وهل هي نقطة سلبية؟ بل سلمِية. وهل لا بد لنا أن نتخلص منها، أم أنها الطبيعة "الطبيعية" للإنسان؟ يجب أن نتفق على أن الإنسان من طبيعته مواكبة ما حوله، أو الحذر من الأذى، وتجنب رد الفعل، وأنه في المقام الأول يرتدي قناع الصواب والعقل والعدل والسمو أمام نفسه قبل الآخرين، فهو وإن لم يهتم بحكم الآخرين، يُعمل الضابط التلقائي بداخله، فقد يقوم بحركات بهلوانية وهو بمفرده في منزله، لكنه في رواق الفندق يتجنب ذلك، وقد يأكل بهمجية في منزله، لكنه يحرص على الظهور بشكل يليق به بين الناس في حفلة عشاء، وقد ينفعل بحماسة عند تحدثه مع المقربين، ولكنه مع الآخرين أحرص وأكثر سيطرة على نفسه. ما الضير من بعض التظاهر؟ لمَ يدعي العلماء والمثقفون وجود الشفافية فيهم أو في غيرهم؟ هل هناك من هو على سجيته تمامًا؟ لو كان هناك من هو شفافٌ مئة في المئة - على سبيل الافتراض - فما الذي سيُعرف به بين الناس؟ أحمق، غير مهذب، غير متحضر؟ لا أعني بكلامي هذا أن طبيعة الإنسان هي الهمجية أو قلة الحياء والتأدب، لكن طبيعته - في رأيي - طفولية أكثر مما هي عليه بعد تدخل العوامل الخارجية والداخلية أيضًا، وعفوية بشكل أكبر مما يجد نفسه عليه، وليس بالضرورة أن ارتداءه القناع يعني تزيفه وادعاءه ما لا يقبله، ولكنه قد يقيد نفسه كثيرًا، ويقلل من حريته وشعوره التام بالراحة، ومن التصرف على سجيته في سبيل أن يكون محمودًا لنفسه قبل الناس. أعتقد أن العقل هنا يلعب الدور الأساس، فالإنسان يستخدم عقله ليرشده إلى أي الخيارات يختار، وليبين له متى عليه أن يبالغ في الشيء، ومتى عليه أن يقتصد فيه، يبين له الصائب من غيره؛ وهذا ما يجعله قادرًا على بناء حضارة كبيرة، أن يضع نفسه بين يدي عقله فيقوّمها ويربيها ليظهرها بأفضل صورة. إن العفوية المطلقة والصدق المطلق لا يليقان تمامًا بالإنسان، لذا وجد النقيض في حياته، ليأخذ منهما - في رأيي - المقدار الكافي الذي يصنع منه شخصًا متزنًا؛ وهذا ما يميزه عن البهائم، ألا يكون تمامًا على طبيعته.