من التجارب الجميلة التي بادرت بها وزارة الثقافة إقامة أول مزاد للأعمال الفنية في المملكة، والاستعانة بأهل الخبرة في هذا المجال، وكان لهذه التجربة مردود كبير على جميع المستويات سواء محلية أو عالمية من ناحية التعريف بالفن التشكيلي للفنان السعودي وكذلك الحس الجمالي؛ لما تحتويه من فن تشكيلي سعودي وصل إلى العالمية. وحول مستقبل هذه التجربة وآليات تطوير جانب المزادات ومردودها في مسيرة الفن التشكيلي والمردود الاقتصادي للفنان من وراء بيع أعماله التقينا بعدد من المهتمين. "المنتج الإبداعي" وفي البداية قال عبدالكريم الحميد المتحدث الرسمي لوزارة الثقافة: عندما أقامت وزارة الثقافة مزاد "الفن للبلد" بالتعاون مع دار كريستيز، كانت تسعى إلى تحقيق عدة أهداف، أولها الهدف الخيري المتمثل في تخصيص ريع المزاد لتأسيس متحف "جدة البلد"، ودعم مؤسسة خيرية لدعم الأطفال ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة، كما تسعى الوزارة إلى إرساء مفاهيم جديدة ليست في مجال الفنون البصرية فقط، بل في مجمل القطاع الثقافي تتحقق من خلالها نقلة نوعية للقطاع، بحيث يرى الفنان ثمرة إنتاجه ماثلة أمامه، سواء من ناحية التقدير الفني الجمالي المعنوي أو المادي. ولا شك أن الأصداء المميزة للمزاد والحجم الكبير للمبيعات، يجعلان من مزاد "الفن للبلد" بداية مهمة ونقلة نوعية في اتجاه تطوير القطاع الثقافي في المملكة. وأضاف الحميد قائلًا: تهدف وزارة الثقافة من خلال رؤيتها وتوجهاتها والمبادرات المنبثقة عنها إلى تطوير القطاع الثقافي السعودي من كل الجوانب التشريعية والتنظيمية والتشغيلية، ولا شك أن المزادات تعتبر مهمة في هذا الإطار، من حيث كونها منصات فنية مهمة تضع المنتج الإبداعي في موضعه الصحيح، وتسمح بتداول العمل الفني واقتنائه من قبل المهتمين بالفن، كما تسمح للمبدع السعودي بالاستفادة من إنتاجه، وتعطي عمله التقدير الفني الصحيح نقديًا وجماليًا وأيضًا ماديًا، وذلك وفق أحدث الممارسات العالمية للمزادات. وأوضح الحميد بعد مزاد "الفن للبلد" والأرقام الكبيرة التي حققتها الأعمال المعروضة فيه، أصبح للفنان السعودي هدف مختلف يستطيع الوصول إليه عبر مسار واضح ينتهي في قاعة المزاد. لا نشك أن كثيرًا من المبدعين والمبدعات السعوديين سيتعاملون مع مشروعاتهم الفنية بجدية أكبر، بعد أن رأوا من خلال المزاد أن جهدهم الإبداعي الذي سيبذلونه في هذه المشروعات سيتم تقديره معنويًا وماديًا في المزادات. وهذه واحدة فقط من فوائد المزاد على الحركة الفنية السعودية. ومن إيجابياتها اقتصاديًا رفع مساهمة القطاع الثقافي في الناتج المحلي، الذي يعد أحد تطلعات وزارة الثقافة، والوزارة تعمل على ذلك من خلال تطوير آليات القطاع الثقافي؛ لكي تسمح للمبدع السعودي أيًا كان تخصصه بالقدرة على الوصول إلى شرائح المقتنين الذين يقدرون إنتاجه جماليًا وماديًا، والمزادات الفنية ستسهم بالتأكيد في ذلك، وهذا سينعكس إيجابًا على مجمل القطاع الثقافي. "الفن المعاصر" ويضيف الفنان التشكيلي سعد العبيد قائلًا: خطوة المزاد التي أقامتها وزارة الثقافة ممتازة وجميلة جدًا؛ حيث سيكون لها مردود إيجابي في دعم الفنان التشكيلي السعودي، وهي خطوة مباركة من الوزارة، وكما سمعنا من عدد من المسؤولين، أن الوزارة تعد العدة لدعم الفن العبيد: خطوة الوزارة داعمة للفن التشكيلي على المستويين المحلي والعالمي، وهذه الخطوة كنا ننتظرها منذ زمن طويل؛ وذلك لأن كثيرًا من الأعمال الإبداعية السعودية قد حجزت مواقعها في عديد من المتاحف التشكيلية العالمية، والأمثلة على ذلك كثيرة، منهم الفنان التشكيلي الراحل محمد السليم؛ حيث يوجد له عدد من الأعمال في متحف الفن المعاصر في مدينة فلورنسا بإيطاليا، وأيضا الفنان الدكتور عبدالحليم رضوي له أعمال بمتحف برادو في العاصمة الإسبانية مدريد، وكذلك الفنان عبدالرحمن السليمان له أكثر من عمل فني في متحف الثقافات في العاصمة المكسيكية، وكذلك الفنانة شريفة السديري لها عمل في متحف مدينة بورجندي بإيطاليا، الذي حصلت به على المركز الخامس والميدالية الفضية في بينالي فلورنسا بإيطاليا، وأيضا الفنان محمد السليم موجود في موسوعتين عالميتين هما موسوعة الفن الإيطالي وموسوعة الفن العالمي المعاصر، وهناك كثير من الأمثلة للفنانين السعوديين. "البوصلة الفنية" ويشارك الفنان التشكيلي هشام بنجابي بقوله: المزاد عالم كبير ومعروف على مستوى دولي، ووزارة الثقافة لم تغفل عن أن نشاطاتها في المنطقة التاريخية تؤكد أهمية هذا الفن، الذي أظهر مدى تعطش المجتمع للتعريف بأسماء وأعمال فنانين لهم قيمتهم الفنية على مستوى محلي ودولي، ولقد حقق أهدافه المعنوية والمادية، وأعتقد أن البوصلة التشكيلية بدأت في الاتجاه الصحيح. وأكد بنجابي أن هناك مقتنين ومهتمين من داخل المملكة وخارجها، وحضور هذه الفئة يؤكد علو كعب الفن التشكيلي والفنانين والتشكيليين السعوديين، وأوصي باستمرار هذه المزادات على مدار السنة. "الاتجاهات التشكيلية" ويشارك الفنان التشكيلي هشام قنديل قائلاً: لا شك أن إقامة أول مزاد حقيقي للفن التشكيلي السعودي تثري الحركة التشكيلية التي تتقدم بخطى ثابتة وواثقة نحو الأمام؛ حيث تتعدد الاتجاهات التشكيلية بين واقعية وتجريدية وسريالية وأعمال فن ما بعد الحداثة (المفاهيمية). وأكد قنديل أن جميع الإمكانات متوافرة لاستقبال المزادات العالمية لأكثر من سبب، أولها أن السعودية تزخر من فترة بعديد من المقتيين للأعمال الفنية، والقائمة طويلة لا مجال لحصرها الآن، كما أن المزادات التي تقام في دبي ولندن وباريس يكون معظم المقتنين من السعوديين فمن باب أولى إذن أن تقام المزادات في السعودية حيث يوجد الفنانون والمقتنون. أما السبب الثاني فهو أن الحركة التشكيلية السعودية أصبحت تضاهي كبريات الحركات التشكيلية العربية إن لم تتفوق عليها، والفنانون السعوديون حققوا ظهورًا غير عادي في معظم البيناليات والتريناليات العالمية التي شاركوا فيها، ومنهم - على سبيل المثال وليس الحصر - الفنان محمد الغامدي الذي فاز بجائزة بينالي الشارقة الأولى، والفنان هاشم سلطان فاز بجائزة بينالي بنجلادش الأولى، والفنان نايل ملا فاز بجائزة في بينالي القاهرة وطهران، والفنان طه الصبان فاز بجائزة بينالي اللاذقية. كما بيعت أعمال لفنانين سعوديين في مزادات عالمية مثل أحمد ماطر وعبدالناصر غارم وأخيرًا عمل الفنان عبدالرحمن السليمان الذي حقق قيمة عالية. وأبان قنديل أن إقامة أول مزاد خطوة أولى رائعة، وبالطبع ستتبعها خطوات أخرى أكثر فاعلية، تثبت وتركز هذه التجربة، وأتمنى أن تقام هذه المزادات بشكل دوري ولو مرة كل ثلاثة شهور، وهذه المزادات لها مردود ثقافي يعرف بأهمية الفن التشكيلي السعودي. "سلاح ذو حدين" وأضافت الفنانة التشكيلية أمل فلمبان، أن المزادات الفنية ظاهرة صحية في جميع المجتمعات خاصة المهتمة بالفنون منها، إلا أنني أتمنى في اختيار الأعمال لتلك المزادات أن تخضع للجان متخصصة من كبار الفنانين والنقاد المتخصصين، وألا تدخل الصداقات والشلليات في الاختيار، فقد يؤثر ذلك في مستقبل الفنون البصرية في المملكة؛ كون عرض العمل الفني للمزاد سلاحًا ذا حدين، فإذا كان يستحق استحق صاحب العمل أن يشاد به أمام الجميع، وأن تنال لوحته إعجاب المقتنين عن طريق المزاد، وإذا لم يكن بالصورة المطلوبة قد يؤثر ذلك سلبًا في الفنان. كما نوهت فلمبان إلى ضرورة أن تكون المزادات المحلية ذات صبغة عالمية، بحيث يفتح المجال للمقتنين العالميين للمشاركة في المزاد عبر الشبكة العنكبوتية كما هو معمول به حاليًا في أغلب المزادات العالمية القوية. وقالت: أعتقد أن هناك علاقة بين مستقبل الفن والمزادات، فالمزادات تخدم بالدرجة الأولى الفنان نفسه، وتعطي مجالًا للعرض والطلب، ومستقبل الفنون التشكيلية يحتاج إلى دعم أكبر من وزارة الثقافة، كما أتمنى أن يكون للفنون البصرية نصيب من اهتمام هيئة الترفيه بالفنون، فالفن التشكيلي يعد لغة تخاطب دولية، ويمكن من خلالها تقديم رسائل إيجابية من خلال المعارض والمشاركات سواء على مستوى المملكة أو على مستوى الوطن العربي وبعض دول العالم، وعن المردود الاقتصادي بالطبع يعد رافدًا مهمًا للفنان، فالمزاد هو الوسيط الأقوى بين الفنان والمقتني. "الفنان المبتدئ" ويتابع المهندس والفنان التشكيلي ناصر علي الخرجي قائلًا: مبادرة وزارة الثقافة لإقامة المزاد أعتبرها خطوة رائعة ومبادرة أجمل لدورها في خدمة الفنان التشكيلي السعودي وأيضًا خدمة الفن التشكيلي في المملكة، ولكن أتمنى أن يتم التركيز على الفنان المبتدئ، ويكون المزاد للفنانين المبتدئين لتشجيعهم أيضًا من جانب المقتنين، أتمنى أن يكون توجه الوزارة في هذا الجانب إلى تشجيع وحث القطاع الخاص والدوائر الحكومية على اقتناء هذه الأعمال وبأسعار معقولة ولدفع الذائقة الفنية بالمجتمع؛ لأن الفنانين الكبار يستطيعون أن يشاركوا في مزادات فنية خارج المملكة، ويبيعوا أعمالهم وهناك شواهد كثيرة. الحميد: هدفنا التطوير وإرساء مفاهيم جديدة بنجابي: بوصلة الثقافة في اتجاهها الصحيح قنديل: المملكة زاخرة بالأعمال والمقتنيات أمل: المزادات تخدم الفنان ومستقبل الفنون الخرجي: مشاركة القطاع الخاص ترفع ذائقة المجتمع