فؤاد بن إسماعيل بن شاكر -رحمه الله-.. أحد أعلام الصحافة والشعر والكلمة في هذا الوطن، بل هو أول رئيس للتشريفات -المراسم الملكية-، اشتغل بالقلم منذ أن أحسن إجادة الكتابة في بواكير شبابه، وعشق الصحافة فكانت حبه وعالمه، صحب القلم وأصبح من أصدقائه حتى فارق الحياة، وكان القلم له وفيًا؛ حيث خلد كلماته بل نقش أشعاره وقصائده التي قالها في الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وفي مناسبات وطنية كثيرة. ومنذ أن تعلم فؤاد شاكر الحرف كان القلم له وفيًا، وكان هو يبادله الوفاء أكثر من أربعين عاماً أو تزيد وهو ممسك به، فكان سخياً في ثقافته وفكره وتجربته، سواء كان مقالة صحافية أو قصيدة منظومة أو مؤلفاً، فهو شاعر وناثر وصحافي، بل هو من جيل الروّاد ومن الكُتاب والأدباء، وكانت تربطه علاقات كثيرة بأدباء وكتاب مصر وسورية ولبنان، وبالأخص مصر، فلقد ارتبط بشعرائها وأدبائها في القرن العشرين حيث جيل العمالقة في مصر أمثال الشاعر أحمد شوقي وحافظ إبراهيم والعبقري الأديب عباس العقاد –صاحب مجلة الرسالة- والأديب طه حسين والناثر الألمعي أحمد الزيات، فقد التقى بهم، وقرأ لهم، بل إن أول بدايته للصحافة صاحبة الجلالة –كما يطلق عليها– كان في مصر، فمصر كانت حبه الثاني بعد وطنه المملكة، وهذه بعض الصور عن حياة هذا العلم. وُلد فؤاد شاكر عام 1322ه في مكةالمكرمة، وكان والده من طلبة العلم المدرسين في الحرم، فتعلم منه واستفاد، ودخل بعد ذلك المدرسة الرشيدية، وبعد ذلك سافر إلى مصر عام 1347ه للدراسة مع أول بعثة دراسية، وقد تخصص في دراسة الأدب العربي، ونظراً لأنه شاعر فلقد كعف على دراسة الأدب العربي القديم والحديث بحب وشغف وحفظ ما حفظ من أشعار، وكانت رحلته إلى مصر هي البوابة الأولى إلى عالم الثقافة الواسع الفسيح، حيث أساطير الأدب والفكر، وحيث الصحافة في عصورها الذهبية، وهناك كانت مدارس الصحافة اليومية والشهرية، صحافة الأدب وصحافة الأخبار، فتعلم من هذه المدارس كل ما يهواه ويعشقه، وتعلم القراءة فيها والاستفادة من أساليبها. صاحب دبلوماسية في عام 1364ه، أصدر الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- قرارًا بتعيين فؤاد إسماعيل شاكر رئيسًا للتشريفات الملكية، وهو أول رئيس يتولى هذا المنصب الذي هو الآن المراسم الملكية، وكان استحداثًا جديدًا في الدولة، واختيار الملك عبدالعزيز لفؤاد شاكر أن يكون رئيسًا للتشريفات لا بد أن يكون بمعرفة عنه، فهو صحافي متمرس، وعلم من أعلام الحجاز، وصاحب دبلوماسية في التعامل مع علية القوم، بل له صلات وعلاقات جيدة وقوية مع الشخصيات في الداخل، وصاحب علاقات عامة مع الكل، وعلاقته بالملك عبدالعزيز بدأت - كما يقول عن نفسه - عام 1349ه، إذن هو ليس مغمورًا ولا مجهولًا، ولقد كانت التشريفات الملكية بوابة كبرى للأديب والرائد فؤاد شاكر لمعرفة شخصية الملك عبدالعزيز وسيرته وحياته وبرنامجه اليومي الرسمي، سواء كان في الإقامة أم السفر والتنقل، ولقد صحب الملك عبدالعزيز في رحلته لزيارة مصر لما كان الملك فاروق ملكًا لمصر، حينما كتب كتابه عن الملك عبدالعزيز ساردًا فيه حياته، وكتبه بعنوان (الملك عبدالعزيز.. سيرة لا تاريخ)، وهو كتاب طبع بعد وفاته، يقول الأديب عبدالعزيز الرفاعي: «كان عمله في القصر الملكي رئيسًا للتشريفات الملكية أو ما يعرف اليوم بالمراسم الملكية، فمثل هذا العمل يجعله أكثر التصاقًا بصاحب القصر، وأعرف بزواره، وأدرى بالطريقة التي يستقبل بها الملك أولئك الزوار على اختلاف طبقاتهم، حيث وجد نفسه يمضي في تسجيل ذكرياته، ولأن التاريخ واسع وشامل طويل مليء بقصص البطولات مفعم بالأحداث وهو لم يتفرغ، فمثل هذا العمل الضخم يتطلب عكوفًا على البحث والدرس، ولم تكن ظروف الشاعر تتسع لمثل هذا اللون من العكوف» -انتهى كلام الرفاعي-، هو يقصد أن هذه الأوراق التي كتبها عن الملك عبدالعزيز إنما هي ذكريات وانطباعات شاكر لا غير، وليست تاريخًا، ومع الأسف فإن المنية أدركته وهو لم يتمها، ولكن هذه الذكريات فيها الفائدة التاريخية، فشاكر قد لازم وعمل مع الملك عبدالعزيز ثماني سنوات متوالية رئيسًا للتشريفات، عرف فيها كثيرًا وهو يأخذ التوجيهات من الملك مباشرة، فهو مرتبط به، ويكتب كتابه، عارف وعالم بالشيء وليس يكتب عن واسطة، ولو لم يكن الأديب والصحافي صاحب قلم لما كتب، لكنه يؤمن بأن عليه واجبًا كصحافي وكاتب وراصد أن يدون ما يرى ويشاهد، فهو شاهد عصر لهذه المرحلة التي عمل فيها. وجمع الأوراق التي كتبها الأديب فؤاد شاكر ابنه عادل، ثم نشرت بعد ذلك في كتاب، ولو امتد الأجل بشاكر لكتب كثيرًا عن يومياته مع الملك عبدالعزيز، يُذكر أن من كتب مقدمة هذا الكتاب (الملك عبدالعزيز.. سيرة لا تاريخ) الصديق المخلص لفؤاد شاكر عبدالعزيز الرفاعي، وطبع طبعة ثانية عام 1409ه، والرفاعي هو الذي اعتنى بهذا الكتاب مبوبًا فصوله. رئيس تحرير وتعلّق الأستاذ الأديب فؤاد شاكر -رحمه الله- بالصحافة والصحف والكتابة الصحافية منذ أن كان مبتعثًا بمصر - أول بعثة دراسية للسعوديين-، وتدرب على العمل الصحافي وتمرس الكتابة الصحافية، فكانت صحيفة كوكب الشرق هي المدرسة الأولى للعمل الصحافي، فكتب الخبر والتقرير، ومن هنا أصدر أول صحيفة في مصر وهو طالب باسم الحرم، ولأنه ولد بمكة وترعرع فيها ودرس في المسجد الحرام وبالحرم المكي أحب أن يجسد هذا الحب في صحيفة عنوانها «الحرم»، وكان صدور هذه الصحيفة عام 1349ه –1930م- وقد ذكر – كما جاء في كتاب الإعلام السعودي النشأة والتطور – أن الهدف من إصدار صحيفة الحرم، أن تكون حلقة وصل بين الطلاب السعوديين، ومرآة تعكس آراءهم لدى الآخرين، وهي جريدة أدبية علمية أخلاقية اجتماعية مصورة أسبوعية، وقد تواصل صدورها حتى توقفت سنة 1352ه، وهذه الصحيفة تعد من أوائل الصحف السعودية التي صدرت خارج الوطن، فصاحبها رائد من رواد الصحافة السعودية، وفي أثناء صدور صحيفة الحرم استدعي الصحافي الشاب فؤاد شاكر إلى المملكة وهو في مصر، حيث عُيّن رئيسًا لتحرير «صوت الحجاز» عام 1350ه وبقي رئيسًا لها حتى عام 1351ه، ثم عاد إلى مصر مرة أخرى معاودًا نشاطه الصحافي في صحيفة الحرم، وفي عام 1355ه تولى رئاسة تحرير جريدة أم القرى الصحيفة الرسمية للدولة، ولعل هذه الصحيفة كانت البداية، حيث اقترب من الملك عبدالعزيز، وكانت أم القرى في ذاك الزمن تنشر مقالات تاريخية وأدبية، ولكن المادة الرئيسة هي لقرارات الدولة والمراسيم الملكية، وكانت رئاسة تحرير شاكر لجريدة أم القرى قد امتدت أربع سنوات، ففي هذه المدة عرفته أنظمة الدولة والالتقاء بالمسؤولين، حيث بدأت عام 1355ه وانتهت في عام 1359ه، بعدما كسب خبرة بالصحافة تضاف إلى خبراته السابقة التي بدأت في مصر. مدرسة صحافية وفي عهد الملك سعود -رحمه الله- أُسندت إلى الصحافي فؤاد شاكر رئاسة جريدة البلاد، التي كان اسمها «صوت الحجاز»، وهذه الجريدة كان قد تسلم رئاسة تحريرها سنة واحدة عام 1350ه، ثم عاد إليها عام 1376ه حتى عام 1378ه، ومن خلال هذا التنقل في عدد من الصحف السعودية نجد أن الصحافي والرائد فؤاد شاكر -رحمه الله- مدرسة صحافية تُنظّر في الصحافة، وهو قد عاصر صحافة الأفراد ثم بعد ذلك أدرك صحافة المؤسسات، لكن شهرته هي في صحافة الأفراد؛ ونظرًا لأن الرائد فؤاد شاكر كان راسخًا في الصحافة، فلقد ألّف كتابًا في علم الصحافة عنوانه (الصحافي) أو (كيف تكون صحافيًا)، ألفه بالاشتراك مع صديقه جميل داود، وحينما عُين فؤاد شاكر رئيسًا للتشريفات برابطة العالم الإسلامي عام 1385ه أُسندت إليه رئاسة تحريرة جريدة أخبار العالم الإسلامي. شاعر الملك ويُعد الأستاذ الأديب فؤاد شاكر -رحمه الله- ناثرًا، وقد كتب بقلمه كثيرًا من النثر، فهو كذلك قد رسم لوحات فنية شعرية، وأشهر ديوان له هو «وحي الفؤاد» الذي صدر 1369ه، حينما كان رئيسًا للتشريفات الملكية، وقد صدر هذا الديوان إهداء إلى الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وها هي بعض نماذج من شعره رحمه الله؛ حيث ألقى هذه القصيدة بين يدي الملك عبدالعزيز في الحفلة الكبرى التي أُقيمت لاستقباله بمناسبة قدومه من الرياض في ذي القعدة 1362ه -أكتوبر 1943م- تسابق ومض البرق بالبشر يخفق فلم ندر أي البرق أمضى وأسبق أبرق يهز السلك عجلان مسرعًا لتبشيرنا، أم برق غيث يدفق قدمت، فيوم «الجمعة» اليوم يلتقي به «يوم عيد» من لقائك مشرق وفيها أيضًا قال: أفاض علينا الله غيثًا ورحمة بمقدمك الميمون، يهمى وتغدق تتابع صوب المزن ينهمل صيبًا رجاء يباريه رخاء مرقرق يباركنا غيث مع الصبح حافل ويطرقنا عند الأصيل ويحدق وقد نظم الشاعر فؤاد شاكر كثيرًا من القصائد في الملك عبدالعزيز، ولذلك اعتبره البعض شاعر الملك عبدالعزيز. رثاء شوقي وفي قصيدة أخرى في رثاء أحمد شوقي قالها الأديب فؤاد شاكر -رحمه الله- وهو في مصر عندما كان يدرس هناك، ونشرت في جريدة كوكب الشرق شعبان 1351ه –ديسمبر 1932م- حمَّ القضاء فلا عتاب وطغى على الصبر المصاب كل ابن أنثى ميت ولكل ذي أجل كتاب الموت غايتنا، وليس إلى سوى الموت المآب عيش كزائفة الحلى أرأيتموا خدع السراب دع عنك «أولى» طالما زفت إلى «الأخرى» شباب لم تدع عهدًا «للرجولة» لا، ولم ترع «الكعاب» إلى أن قال: ملك القريض وخير من أعلى لدولته القباب ملك القريض وخير من رفع القريض على السحاب لله ما أبدعت من عجب على الفصحى عجاب سحر يفيض على الضحى فيعود مجلىّ الإهاب حيّ العروبة وهذه كذلك قصيدة أُلقيت في المجمع الأدبي الخلدوني بتونس، ونشرت في «جريدة النهضية التونسية» 1350ه -1931م- حيّ العروبة واذكر تالد العرب وانشر لوائيه من علم ومن أدب أعد لنا سيرة البانين من قدم ممن تولوا وكانوا زينة الحقب هذا ابن بحر يدور الدهر دورته ومجده قائم بالذكر لم يشب هذا ابن خلدون يفنى الدهر قاطبة وذكره ثامن للسبعة الشهب قم يا ابن خلدون وانظر ما الذي صنعوا وانفض رداء المنى من عثير الشجب وفيها أيضًا يقول: يا أيها النجب المعروف فضلهموا بوركتموا في الورى من سادة نجب ردّوا على الضاد أيامًا لها سلفت في ظل نابغة الأعجام والعرب لا أبتغي العلم مخدوعًا بزخرفه الدين واللغة الفصحى هما أربي مؤلفات فؤاد شاكر وألّف الرائد والشاعر والكاتب الأديب فؤاد شاكر -رحمه الله- مؤلفات متنوعة وعدة فكان قلمه سيالًا، وهذه هي مؤلفاته كما أثبتها العالم العراقي علي جواد الطاهر -رحمه الله- في كتابه (معجم المطبوعات) في المملكة العربية السعودية، ولقد بدأ قلم التأليف عند الرائد والكاتب فؤاد شاكر وهو في مصر وهذه بعض مؤلفاته: (صور من الحياة) صدر عام 1348ه، و(أدب القرآن) ألّفه وهو رئيس تحرير جريدة أم القرى عام 1356ه، و(أحاديث الربيع) أُلف عام 1362ه، و(دار الأيتام والصنائع)، صدر عام 1392ه، وكذلك (دليل المملكة العربية السعودية) صدر عام 1367ه، و(رحلة الربيع) وهو من كتبه المشهورة واطلعت عليه، صدر عام 1365ه، وهي رحلة قام بها فؤاد شاكر للملك عبدالعزيز حينما كان في نزهة برية أيام الربيع في نجد، و(غزل الشعراء بين الحقيقة والخيال)، صدر مبكرًا عام 1353ه، وهو مقيم بمصر، وهو من أوائل إنتاجه الأدبي، و(حدائق وأزهار) صدر عام 1370ه، إضافةً إلى (تخليد ذكرى إنشاء السد السعودي) صدر عام 1372ه، و(رحلات في ميادين العمل والجهاد) صدر عام 1373ه، و(الفؤاديات،) وهو ديوان شعر، وكانت طبعته الأولى عام 1369ه بعنوان (وحي الفؤاد)، ثم صدرت طبعته الثانية عام 1386ه، إلى جانب (في رحاب الإسلام) وهو كتاب مجموعة أحاديث ألقاها الإعلامي فؤاد شاكر في إذاعة نداء الإسلام وجمعها في هذا الكتاب، ولعله آخر مؤلفاته التي نشرت في حياته صدر عام 1389ه، و(الملك سعود، من أحاديثه وخطبه) طبع عام 1375ه، و(من أرجاء الثقافة العربية) طبع عام 1378ه. هذه معظم مؤلفات فؤاد شاكر فلقد أسهم وأضاف إلى المكتبة السعودية بمؤلفات نثرية في أكثرها وشعرية، مؤمنًا برسالته الثقافية نحو أبناء وطنه ومجتمعه، فهو كان صديقًا للقلم وكان القلم له وفيًا، فلقد خلد القلم اسمه في قائمة المؤلفين الذين ألفوا منذ وقت مبكر جدًا، كما أن القلم نقش اسمه في جيل الرواد في الصحافة، ولم يجفوه إلاّ عندما أصيب بنوبة قلبية على أثرها توفي رحمه الله تعالى عام 1392ه. وأخيرًا، الشكر والتقدير لعصام وعادل - ابني فؤاد شاكر - اللذين أهدياني كتاب رجل التشريفات والأدب فؤاد شاكر ومنه أخذت هذه المعلومات عن حياته. الملك سعود -رحمه الله- متصفحاً صحيفة مصرية وعن يمينه في الخلف فؤاد شاكر فؤاد شاكر -رحمه الله- الملك سعود -رحمه الله- على المائدة الملكية مُستمعاً إلى الأخبار من فؤاد شاكر الملك فيصل -رحمه الله- عندما كان ولياً للعهد في زيارة إلى فؤاد شاكر بمنزله بالقاهرة قصاصة من جريدة الحرم العدد الأول نوفمبر 1932م التي كان يرأس تحريرها فؤاد شاكر صلاح الزامل