اتفق كثير من العاملين في قطاعات العمل المختلفة على أن الحافز يُشكّل عاملا مهما وحاسما في تحسين جودة ما يقدمه الموظف، ولا سيما حينما يكون هذا الموظف قادرا على العطاء والتميز وتقديم الجديد في أداء مهماته الوظيفية، في حين أصر بعضهم على أن غياب الحافز لدى الموظف يفقده الشهية للعمل، ويحوله إلى آلة تعمل ميكانيكياً دون الإحساس بقيمة العمل أو الرغبة في تطويره من خلال تحسين الأداء، موجهين الاتهام الأول في فقدان الموظف لشهية العمل إلى الشركة أو المؤسسة أو القطاع الحكومي الذي يعمل في دائرته الموظف، فغياب الحافز يعني فقدان النمو الذي لا يمكن أن يتحقق إلاّ من خلال التشجيع، ودفع طاقات الموظفين إلى مزيد من الإنتاج المتقن والمتطور. شحيح جداً وقالت لمياء الطويري -مديرة قسم نسائي-: إن التحفيز من أهم الأدوات التي يجب أن يتحلى بها المسؤول في قطاع عمله؛ ذلك لأن التحفيز كالوقود الذي من دونه يصعب على أي محرك أن يعمل، متأسفةً أن التحفيز مفقود في كثير من مجالات العمل، لكن الحقيقة أنه يكاد يكون شحيحا جداً في عالم الإدارات النسائية إلا ما ندر، فكثير من النساء اللاتي يمسكن بزمام المسؤولية في قطاع من القطاعات يغيب عنهن التحفيز للسيدات الموظفات العاملات لديهن، والتحفيز هنا يجب ألا يكون صوريا لا يحمل أي قيمة يمكن أن تضاف إلى الموظف، مؤكدة أن التحفيز لا بد أن يكون حقيقيا حتى يشعر الموظف بقيمة ما يقدمه وما يؤديه في عمله، فلا يكتفي المسؤول بكلمة تشجيع أو شهادة شكر إنما يجب أن يكون تحفيزاً حقيقياً يحتوي على مكافأة تشجيعية أو إضافة لامتياز يمنح للموظف المتميز بشكل خاص، وإلاّ فقد الحافز قيمته، وأصبح حافزا ذا مردود عكسي تماماً، وهذا نلاحظه في كثير من القطاعات–مع الأسف-، فعلى سبيل المثال موظف يرفض رشوة قدمت له من مراجع، فتتم مكافأته بشهادة تقدير ودرع!، في حين أن مثل هذا الصنيع يحتاج إلى حافز حقيقي كمكافأة مالية تعادل تلك الرشوة أو راتبين إضافيين لأمانة الموظف. تطوير إمكانات ورأت الجوهرة السعيد- مشرفة على معهد تدريب- أن الحافز مع الأسف أحياناً يكون مفقودا لدى المدير ذاته وليس الموظف، فهناك مسؤولون يشعرون بفقدان الشهية لأداء العمل؛ لأن الشركة تلقي عليهم المسؤوليات الجسيمة دون أن يكون هناك مقابل يوازي ذلك الجهد، فنلاحظ أن المدير يتحمل مسؤولية عشرات الموظفين، ويتابع أداء بعض القطاعات التي لها ارتباط بالشركة، ثم عليه مسؤولية تنمية العلاقات الخارجية برجال أعمال أو سيدات أعمال، ولديه جدول مزدحم من الاجتماعات والتنسيقات والمتابعة لموظفيه داخل الشركة، لكن في المقابل يبقى في الدائرة ذاتها دون وجود حوافز توازي ما يقوم به من أعمال، وهنا المشكلة الكبيرة، ففاقد الحافز كيف يقدم حوافز للآخرين؟ ذاكرةً أن قطاعات العمل عليها مسؤولية كبيرة في تقديم الحوافز المجزية التي تدفع موظفيها إلى مزيد من العطاء، فأحياناً ليس بالضرورة أن يكون الحافز ماديا فقط، إنما قد يأتي الحافز على شكل دورات تدريبية يلحق إليها الموظف المتميز حتى يطور إمكاناته مدفوعة الثمن من قبل الشركة، وأحياناً تكون من خلال خيار مقترح من قبل الموظف ذاته يحب أن يكافأ به، لذلك فالحافز حالة اختيارية. دائرة متكررة وأوضحت هند سراج -موظفة في قطاع مصرفي- أن الحافز مع الأسف مفقود، فالموظف يعاني «البلادة» في مجال عمله، فما يصبح فيه يمسي فيه، والعمل يسير بدائرة واحدة تتكرر سنوات عدة، حتى يصل الموظف إلى مرحلة يشعر فيها بأنه يعيش ليعمل العمل ذاته يوميا ويبقى كذلك حتى يتقاعد، وربما شعر بأنه متقاعد وهو على رأس العمل، منتقدةً بعض المسؤولين في قطاع العمل الذين –مع الأسف- لا يضعون أنفسهم في مكان الموظف المجتهد، ولا سيما حينما يكون موظفا مجتهدا ويؤدي مهماته بعناية كبيرة، حيث إن تقييم الأداء مجحف، ويقوم في كثير من الأوقات على أساس العلاقات والمحسوبيات التي لا صلة لها مباشرة بالتميز الوظيفي –حسب قولها-، لذلك يفقد الموظف شهيته للعمل حينما يصل إلى حقيقة أكيدة أن ما يؤديه بتميز يتساوى مع ما يؤديه بشكل غير متقن. تطور وتغيير وتحدثت سهام عبدالوهاب -مهتمة بتنمية المهارات والموارد البشرية- قائلةً: إن فقدان الشهية لدى الموظف يقوم في أساسه على التقييم المجحف لإمكاناته، خاصةً حينما يتصف بمهارات عالية وبجودة فيما يقدمه في وظيفته، وباحترافية ومهنية، وهنا تكمن المشكلة، فالإشكالية ليست فقط في فكرة الحافز للموظفين بشكل عام، إنما في غياب الحافز الذي يغيب في محيط الموظف المتميز، مضيفةً أن أسوأ حالات التقييم في قطاعات العمل حينما يتساوى الموظف المجتهد والمهني بالخائب الكسول من منطلق معايير غير دقيقة ومجحفة، كفكرة الالتزام بالحضور وعدم التأخير والبقاء على المكتب طوال الوقت، فهذه أمور تؤخذ في بعض الشركات بعين الاعتبار، وربما تكون مهمة، لكن لا يجب أن تكون الأساس الوحيد في الحكم على أداء الموظف المتميز، فهناك ما يسمى القدرات الشخصية المميزة، وهناك ما يسمى الموظف المحترف، وجميع هذه الصفات يجب أن يكون لها حافز خاص يقدر من خلاله، فلا تتم معاملة الموظفين بناء على معايير البصمة والحضور والغياب، فهذا أسلوب عفا عليه الزمن وأصبح غير مجد، مبينةً أن هناك مئات الموظفين الذين يلتزمون بالحضور والانصراف، لكن في الحقيقة أنهم غائبون عن الأداء الوظيفي المجدي، متأسفةً أن هناك مشكلة كبيرة وحقيقة في مفهوم تقييم الأداء ولذلك يغيب الحافز، مشيرةً إلى أن الحافز من أهم الخطوات التي تدفع الموظف إلى التطور والتغيير في إمكاناته من خلال شعوره بالرضا عن وظيفته، فكلما وجدت الحوافز المقنعة والحقيقية في عالم الموظف وجد الابتكار والاستمرارية على التميز، فعديد من المتميزين الذين فقدوا تميزهم كان بسبب فقدانهم لشهية العمل، وفقدان الشهية هذا لا يأتي إلاّ حينما تنعدم الفرص وتتساوى الجهود ويغيب الحافز. التركيز على حضور وانصراف المُوظف في التقييم دون الأداء يُعد تصرفاً خاطئاً