يثير دهشتي وإعجابي دائمًا ذاك الصمت المهيب بقاعات المنافسة الأولمبية الذي يسبق اندفاع عدد من السباحين إلى المياه في محاولة للحصول على ميدالية ذهبية، صمت وترقب وأعين مشدوهة بأجسام المتنافسين وطول أنفاسهم في سيمفونية تقدير بديعة حقًا، لا يمكن أن نقابلها بسهولة في ساحات التنافس المحلية في مجال السباحة، وكأن سواحلنا العريضة ولا بيئتنا الطبيعية المؤهلة للتعاطي من مياه الخليج وأمواجه إضافة إلى خبرات مدربينا وقدراتهم المشهودة لا تكفي لصناعة سباح سعودي بطل يستطيع الاستحواذ على التقدير والاحتفاء الشعبي، إضافة إلى الإنجاز والتفوق في المحافل والمنافسات بشراسة وإصرار، كمايكل فيليبس وأسماء غربية أخرى اخترقت حدودنا المحلية وأصبحت تمثل في أذهان الأجيال الشابة الصورة المثالية للسباح! بالتأكيد، حسابات الشعبية والجماهيرية ليست في صالح السباحة، فكُرة القدم كحصان أسود لا يشق له غبار يستأثر بالأخضر واليابس من الاهتمام والرعاية، الحكومية من جهة، ومن جهة أخرى مشروعات صناعة النجوم، وعقود الرعاية الإعلانية، لتترك الفُتات في النهاية من التشجيع والدعم للرياضات الأخرى، التي ليس من بينها - للأسف - رياضة السباحة، رغم كونها واحدة من الرياضات المتجذرة في تراثنا ووجداننا "السباحة - الرماية - الفروسية"، غير أن قائمة أولويات التشجيع هذه الأيام، ليس سعوديًا فحسب وإنما عربيًا، تتماهى مع الموجة العالمية المُمجدة للساحرة المستديرة ومُستطيلها الأخضر، لتأتي في المرتبة التالية، وعلى بُعد عشرات الخطوات ألعاب القوى التي تحوز بعض المكانة - عربيًا على الأقل -، كل هذه معوقات من شأنها وبكُل سهولة أن تسُد نفس الشاب الهاوي للرياضة عن الانخراط فيها، والإخلاص لها. من أين نبدأ إذن؟! سؤال مهم لكني لا أشجعه، أفضل دائمًا "كيف نبدأ؟" إذ أن البداية لا بد أن تكون عبر نقاط متوازية، فزرع السباحة كنشاط مميز استثنائي في أذهان الصغار لا بد وأن يتوازى مع تأهيل شعبي لجماهير الرياضة العريضة بدور اللعبة وأثرها عالميًا ومحليًا بالرغم من فرديتها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أبرز برامج الاتحاد السعودي للسباحة وهو "سباحة أكاديمي" الذي يستهدف محو أمية السباحة لدى كافة الشرائح المجتمعية، وحتى المقيمين من سكان المملكة، بل وأُتبع ببرنامج آخر أُطلق عليه "سباحة ستار" ويستهدف المميز من رواد البرنامج الأول، البرنامج مميز، وربما يعبر بالضبط عن احتياج المرحلة، ننشد فقط أن يستمر الجهد ويتطور، إضافة إلى انتشاره ليبلغ ربوع المملكة كافة.