فضّل بعض الأدباء الانعزال في منأى عن الشهرة، حيث ضل نتاجهم حبيساً دون أن يعلم عنه أحد، واحتفظوا بأعمالهم في محيطهم الخاص بعيداً عن الشهرة ومتناول القراء ومحبين الثقافة دون اكتراث بالشهرة وتبعاتها، وبعد وفاتهم، شاءت الأقدار أن يقف البعض على تلك الأعمال التي ضلت حبيسة العزلة، حيث نالت على إعجاب واستحسان متذوقي الأدب والفن وضج عالم المعرفة بنتاج باذخ ورصين. "قصائد سجينة" يقول الناقد روبرت سبيلر عن الشاعرة إيملي ديكنسون: "من حسن الحظ لا حاجة لتأكيد شهرة إيملي ديكنسون، معظم النقاد يبدون متفقين على أنها تقف ربما مع ويتمان على قمة الإنجازات الأميركية في الشعر، وأنها أعظم شاعرة بين النساء، كان ملاذها ملاذا إلى المطلق، لقد أصبحت واحدة من أعظم الشعراء في التاريخ وأعظم الشاعرات جميعهن دون أن تتحرك من حديقتها». لم تسعى الشاعرة الأميركية إلى نشر أعمالها حيث اكتفت بالاحتفاظ بها داخل غرفتها وفضلت الانعزال بمبالاة أتجاه الشهرة، وسعت إلى إتلاف قصائدها التي اختزلت الإبداع في ثنايا الحروف حين أوصت ديكنسون أختها بأحراق الأوراق التي فعلت العكس عندما دهشت أمام الأحرف والابتكار الافت، الذي ضل طي الكتمان وبدأت بنشرها حيث لاقت ردة فعل إيجابية حظيت على إثره شهرة كبيرة وواسعة دون أن تعلم!. "ظلال العزلة" قبل تسع سنوات من الان رحل الشاعر الشهير جي دي سالنجر في منأى بعيد عن ضجيج الكاميرات والأخبار والشهرة وقال ابنه عن وفاته: "توفي في ميتة طبيعية في منزله في ولاية نيو هامبشاير". لم يأبَ الأميركي صاحب الرواية المعروفة "الحارس في حقل الشوفان" التي جعلت الأنظار تتوجه نحوه، رغم ذلك فضل الجلوس تحت ظلال العزلة، بعيداً عن ردود الأفعال الإيجابية بعدما نشرت روايته الشهيرة، ولم يكتف بذلك حيث رفض أن توثّق سيرته الشخصية الأمر الذي دعاه أن يرفع قضايا على بعض كتّاب السير الذين بدأوا بالكتابة عنه، ولم ينشر عملا إبداعيا يخصه منذ عام 1965 حتى وفاته. "أعمال مختبئة" غادر الأديب والرسام الأميركي هنري دارجر غرفته في أحد الايام بمدينة شيكاغو التي تعد مسقط رأسه بسبب ظروف صحية حيث شاءت الصدف ان يكتشف مالك البناية اثناء تنظيفه مسكن دارجر أعمالا لم تر النور أوقفته مذهولاً، وثقّ بعد ذلك دارجر الذي عاش معظم حياته بالملجئ، سيرته الذاتية، وكتب مقالات عديدة كانت حبيسة العزلة بالإضافة لأعماله السابقة بغرفته المنقطعة عن العالم حيث كتب جلّ أعماله فيها خلال ثلاثين عاما وذكرت المصادر أنه منح أعماله من روايات ولوحات إلى مالك البناية الذي قدّر النتاج الإبداعي والثقافي، وبدأ بنشرها بعد وفاة الأميركي عام 1973. جي دي سالنجر هنري دارجر