أجمع خبراء صندوق النقد الدولي على قوة الإصلاحات الاقتصادية في المملكة والتي انعكست معالمها وتجلت آثارها بشكل كبير في النتائج الإيجابية المتتابعة التي يحققها الاقتصاد السعودي حتى صدور تقرير الصندوق في 15 مايو 2019، الذي استعرض مكامن القوى الاقتصادية للمملكة وأبرزها وأكثرها تحدياً انتعاش النمو غير النفطي وزيادة إيراداته والذي تحقق بانتهاج وتشريع تنظيمات جديدة ناجحة ملهمة وفي مقدمتها التطبيق الناجح لضريبة القيمة المضافة في المملكة بدءا من يناير 2018 تنفيذا للاتفاقية الخليجية بواقع 5,0 % للمنتجات والخدمات ويتوقع أن تصبح أحد المصادر الرئيسة للإيرادات غير النفطية في المملكة حيث يتوقع أن تسجل الحصيلة من الضرائب 183 مليار ريال في 2019 وذلك بمعدل نمو 10,8 % مقارنة بالعام 2018 إلى أن تصل إلى 201 مليار ريال في 2021 نتيجة زيادة النشاط الاقتصادي. وساعد منهج تصحيح أسعار الطاقة في خفض استهلاك الفرد من البنزين والكهرباء، واستحدثت إجراءات لتعويض الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط عن ارتفاع التكاليف المترتبة على الإصلاحات المطبقة، وزادت شفافية المالية العامة، وهناك تقدم جيد في إصلاحات الأسواق المالية، والإطار القانوني، وبيئة الأعمال، إلا أن ثمة تحديات قائمة تتمثل في زيادة الإنفاق الحكومي، وهو ما ساهم في دعم النمو الاقتصادي لكنه يؤدي أيضا إلى زيادة تعرض المالية العامة على المدى المتوسط لمخاطر التأثر بانخفاض أسعار النفط، وللحد من هذه المخاطر هناك حاجة للضبط المالي، وبشكل أعم لا يزال للقطاع الحكومي أثر كبير على الاقتصاد، ولا تزال البطالة مرتفعة بين المواطنين، ويمثل خلق الوظائف أحد التحديات الأساسية التي حددتها برامج الحكومة الإصلاحية، ولتحقيق اقتصاد متنوع ومنتج وتنافسي، ينبغي أن تعمل الإصلاحات على زيادة قدرة المواطنين على المنافسة للحصول على وظائف في القطاع الخاص، ورفع مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر، وزيادة التمويل المتاح للشركات الصغيرة والناشئة. وبشأن تعافي الاقتصاد السعودي غير النفطي لفت التقرير لتحسن نتائجه في 2018، حيث سجل إجمالي الناتج المحلي الحقيقي نموا بنسبة 2,2 % عقب انكماشه في 2017، وارتفع إجمالي الناتج المحلي النفطي الحقيقي بنسبة 2,8 % مقابل انخفاض بنسبة 3,1 % في 2017، بينما ارتفع إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 2,1 % مقابل ارتفاع بنسبة 1,3 % في 2017، ويتوقع أن يتسارع النمو الاقتصادي غير النفطي الحقيقي إلى نسبة 2,9 % في العام 2019، فقد كانت المؤشرات الاقتصادية الشهرية إيجابية في الآونة الأخيرة، وهناك تحسن في مستوى الثقة مع ارتفاع أسعار النفط منذ بداية العام، ويصعب حاليا تقييم التطورات المستقبلية في سوق النفط نظرا لعدم اليقين بشأن حجم الإنتاج في بعض البلدان المصدِّرة الأساسية. وبافتراض استمرار المملكة في إنتاج النفط خلال النصف الثاني من 2019 حسب المستوى المتفق عليه بموجب اتفاقية «أوبك+» الحالية، فإنه يتوقع أن يصل نمو إجمالي الناتج المحلي النفطي الحقيقي إلى نسبة 0,7 % في 2019، بينما يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي الكلي 1,9 %، وفي حال زادت المملكة إنتاجها من النفط، فإن ذلك سيرفع نمو إجمالي الناتج المحلي النفطي وكذلك الصادرات النفطية والإيرادات الحكومية، وعلى المدى المتوسط، تتوقع بعثة خبراء الصندوق ارتفاع النمو الاقتصادي غير النفطي إلى نسبة تتراوح بين 3 % و3,25 % تقريبا مع ظهور ثمار الإصلاحات الاقتصادية الجارية، كما يتوقع أن ينمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي الكلي ليستقر عند مستوى 2,5 % تقريبا، وتفترض التوقعات أن متوسط إنتاج النفط سيبلغ 10,2 ملايين برميل يوميا، وأسعار النفط 65,5 دولار للبرميل في العام 2019. وأوصى الخبراء بوجوب الاستمرار في تحسين إدارة الإنفاق الحكومي وشفافية المالية العامة، ومن المنتظر أن يساهم قانون المشتريات الحكومية الجديد، الذي ينبغي أن يغطي جميع المشتريات الممولة من موارد الميزانية، في تحسين الإنفاق وتحسين كفاءته والمساعدة في الحد من مخاطر الفساد المحتملة في المشتريات الحكومية، غير أن الإنفاق زاد مع ارتفاع أسعار النفط خلال العامين الماضيين، ويجب أن يكون إطار المالية العامة وعمليات إدارة المصروفات قادرين على الحفاظ على مستوى من الإنفاق يمكن تحمله مع اختلاف مستويات أسعار النفط، وإلا فسيتعين على الحكومة إجراء تعديلات كبيرة في مستويات الإنفاق خلال فترات انخفاض أسعار النفط، ما يؤدي إلى تقلبات في النمو. في حين لا يزال تشجيع النمو الاقتصادي غير النفطي وتنويع الاقتصاد وخلق فرص العمل من أهم التحديات حيث تعكف الحكومة على تنفيذ إصلاحات ومبادرات طموحة لتنمية الاقتصاد غير النفطي ضمن إطار «برامج تحقيق رؤية المملكة 2030»، وتتركز هذه المبادرات حول تحسين مناخ ممارسة الأعمال في المملكة، واستحداث قطاعات اقتصادية جديدة أو توسيع القطاعات القائمة، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتوسيع وتعميق الأسواق المالية، والاستثمار في رأس المال البشري من المواطنين السعوديين، ومن المهم تحديد أولويات الإصلاح بدقة لضمان نجاح تنفيذها. ونوه الخبراء بسياسات القطاعات الصناعية الموفقة كالتي يتضمنها «برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية»، والتي تساعد في مواجهة إحجام الشركات الخاصة عن الدخول في قطاعات جديدة أو ذات مخاطر أعلى، مع ضرورة توخي الحذر في تنفيذ هذه السياسات، وقد تباينت تجارب البلدان في تنفيذ السياسات الصناعية فكان دورها مهماً في تنمية بعض البلدان، بينما أدت إلى الكثير من أوجه عدم الكفاءة في بلدان أخرى، وتشير الدروس المستمدة من تجارب البلدان الناجحة إلى أن هذه السياسات تحقق أفضل النتائج إذا تم توجيه الدعم الحكومي إلى القطاعات ذات الأولوية وليس إلى شركات بعينها، مع ربط هذا الدعم بإطار زمني محدد ومعايير أداء صارمة، في وقت يعد تطوير رأس المال البشري مطلبا ضروريا لتحقيق النجاح.