الصين أصبحت الآن - منذ العام 2017 - أكبر دولة مستوردة للبترول.. بعد أن أزاحت أميركا من مركزها التاريخي كأكبر دولة في العالم مستوردة للبترول، لقد استوردت الصين 11.04 مليون برميل في اليوم من العام 2018، بينما استوردت أميركا 9.93 ملايين برميل في اليوم لنفس العام 2018 (المصدر: إحصائية BP-2019). من نافلة القول: إن الدولة التي تستورد البترول أكثر من الذي تستورده الدول الأخرى ستدفع نقوداً (دولارات) للخارج أكثر من النقود التي سيدفعها الأخرون، لقد كان متوسط سعر البترول 70 دولاراً للعام 2018، وبعملية حسابية بسيطة سنجد أن الصين دفعت حوالي 282.1 مليار دولار (1.06 تريليون ريال) ثمناً للبترول الذي استوردته العام 2018. الصين تعرف أن متوسط سعر البترول كان 110 دولارات خلال الأربعة أعوام (من 2011 إلى 2014)، وتعرف أنه من الطبيعي أن سعر البترول سيعود - بمفعول الندرة - إلى 100 دولار فأكثر، ولذا فإن الصين بدأت تفكر منذ العام 2011 (عندما تجاوز السعر 110 دولارات) في إيجاد وسيلة تجعلها تستطيع أن تدفع ثمن البترول باليوان بدلاً من الدولار. محاولات الصين قبل العام 2017 بأن تشتري البترول باليوان الصيني بدلاً من الدولار الأميركي كانت ثنائية (bilateral) مع بعض الدول التي تستورد الصين منها كميات كبيرة من البترول مثل روسيا، وأنغولا، وإيران، ولكن لم يتم الإعلان عن إتمام هذه الصفقات وتفاصيلها وحجمها في وسائل الإعلام، وإنما كانت مجرد تسريبات، وتخمينات. لكن منذ بداية العام 2018 تبنت الصين خطوات عملية وجريئة فأنشأت (افتتحت) الصين في مارس 2018 أول سوق للتعامل في براميل الورق (Futures) على غرار بورصة (ICE) في لندن، وبورصة (نايمكس) في نيويورك للتعامل باليوان الصيني بدلاً من الدولار الأميركي. الواقع أن تدشين الصين لسوق براميل الورق في بورصة شنغهاي للتداول باليوان هي الخطوة الأولى في الطريق الطويل الذي ترغب الصين في أن تجعل اليوان هو العملة التي تشتري بها الصين البترول. لكن وجود الرغبة لدى الصين لا تكفي (فالرغبات لا تتحقق بالأماني) بل يجب توفير جميع المقومات والوسائل لتحقيق هذا الغرض. الصين تعرف أنه توجد الرغبة القوية لدى بعض الدول (كروسيا، وفنزويلا، وإيران) للتعاون مع الصين للتخلص من هيمنة الدولار، ولكنها تعرف أيضاً أن قبولهم لليوان لن يكون على حساب مصالحهم الاقتصادية. الخلاصة: ينبغي للصين أن تستخدم الجزرة قبل أن تستخدم العصا وتبني علاقاتها على الأسس الاقتصادية، فتأخذ في اعتبارها أن للدول الأخرى مصالحهم الاقتصادية - كما للصين مصالحها - وأنهم لن يقبلوا اليوان إذا لم يكن اليوان مستودع موثوق للقيمة. في مقال الأسبوع المُقبل - إن شاء الله - سنناقش مدى إمكانية نجاح الصين في شرائها للبترول باليوان الصيني بدلاً من الدولار الأميركي.