فى وقت قريب، بعد اختتام السنة الصينية الجديدة، سيطلق المسؤولون فى شنغهاى عملية تداول منتج مالى جديد غامض، وهو ما يمكن أن يؤدى إلى تحول كبير فى أسواق الطاقة العالمية، ويعزز من مساعي الصين للقيام بدور أكبر فى الاقتصاد العالمي. وبعد سنوات من عمليات الإطلاق الوهمية ستظهر العقود الآجلة للنفط الصيني التي طال انتظارها في أول ظهور لها في بورصة شنغهاي للعقود المستقبلية على الأرجح في أواخر مارس المقبل. وسوف يكون هذا أول مؤشر تداول للبترول الخام في قارة آسيا، وهو أمر مهم لأنها تسجل أعلى معدلات نمو استهلاك للنفط. وأشار تقرير مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية الى أن هذا العقد سيكون الأول الذى يتم تسعيره بالعملة الصينية، والمعروفة باسم الرنمينبي أو اليوان، على عكس جميع المؤشرات العالمية الرئيسية للنفط الخام في نيويوركولندن والتي يجري تسعيرها بالدولار حاليا. وأضاف التقرير أنه إذا نجحت هذه العقود الجديدة في جذب شركات النفط العالمية والتجار، وهي مسألة ستجيب عنها الأيام المقبلة، فإن ذلك سيمنح بكين فرصة كي تخترق عملتها الأسواق المالية، وفي هذه الحالة فإنها ستكون قد قطعت شوطا طويلا نحو تقويم سوق الطاقة. والحقيقة أن السنوات الأخيرة شهدت تحولا جوهريا بعد أن أزاحت الصينالولاياتالمتحدة من موقع الصدارة كأكبر مستورد للنفط في العالم. ولكن هذا لم ينعكس فعليا على سوق السلع الأساسية. ويقول «مات بيوتروسكي» الخبير في شركة تأمين الطاقة المستقبلية في أمريكا، وهي منظمة غير ربحية تركز على أمن الطاقة في الولاياتالمتحدة إن سوق النفط يميط اللثام عن الكيفية التي يتحول بها مركز الثقل إلى آسيا ولكن هذا لا يعني أن الولاياتالمتحدة لم تعد اللاعب الرئيسي في سوق النفط بعد الآن. ولفت الانتباه إلى أن العقود الصينية الجديدة التى يطلق عليها اسم «بيترويوان» تعد جزءا صغيرا من سنوات طويلة حاولت الصين فيها مرارا تدويل عملتها وإتمام العمليات التجارية عبر عملتها المحلية. وعلى الرغم من نمو اقتصاد الصين عشرة أضعاف خلال هذا القرن ليصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إلا أن النظام المالي العالمي لا يزال يخضع لهيمنة الدولار واليورو والين. وتسعى الصين إلى تحقيق هدف نهائي يتمثل في ترجمة قدراتها الاقتصادية المتنامية إلى أذرع ذات تأثير حقيقي يحدث بوجود عملة متداولة عالميا مثل الدولار أو الجنيه الإسترليني. ويبدو أن هذا التوجه يسير بخطوات كبيرة، حيث استقرت حصة متزايدة من التجارة عبر الحدود باستخدام الرنمينبي بدلا من الين أو الدولار، خاصة مع قيام اليوان باختراق أسواق رأس المال في الخارج، بما في ذلك لندن. وحصلت الصين على دفعة معنوية لكنها ذات دلالة رمزية في أواخر عام 2015، عندما وافق صندوق النقد الدولي على إدراج اليوان في سلة من العملات العالمية، وهو علامة على تغيير وضعها القديم. ولكن بعد ذلك توقف التقدم وانخفضت قيمة اليوان حتى فى الوقت الذى ضاعفت فيه بكين الجهود لدعم العملة وتدخلت لتخفيف تقلبات الأسواق المالية وتنظيم تدفق رؤوس الأموال. ويقول «باري ايتشنجرين» أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا إن هذه الظروف تضعف القبول الدولي لعملة اليوان مما قد يؤثر على سعي بكين لتدويل عملتها. وأضاف أنه في الواقع كان الصينيون يتحركون في الاتجاه المعاكس منذ التقلبات المالية في عام 2015، ونتيجة لذلك فإن اليوان فقد الأرض التي كسبها كعملة لتحصيل الفواتير، وتسوية المعاملات عبر الحدود بشكل عام وكذلك كعملة للاحتياطات النقدية. ولكن ظهرت مؤشرات في الآونة الأخيرة على أن اليوان بدأ يسترد عافيته بعدما خفضت الحكومة الصينية تلاعبها بسعر الصرف ووصلت العملة إلى أعلى مستوى لها منذ عامين مقابل الدولار في النصف الثاني من شهر يناير الجاري. ويبدو أن اليوان بدأ يحتل مكانة بارزة فى التجارة عبر الحدود بعدما تراجع بشدة خلال العامين الماضيين خاصة وأن الصين اعتمدت لوائح جديدة تهدف إلى تحفيز هذه التجارة أكثر من ذلك، من خلال تسهيل قيام الشركات الصينية والدولية بالأعمال التجارية باستخدام اليوان. وتجدر الاشارة إلى أن باكستان، وهى شريك اقتصادى كبير للصين، تتعامل في جميع تجارتها الثنائية باليوان وليس بالدولار، بل إن الصين تستخدم اليوان بدلا من الدولار لشراء شحنات نفطية من بلدان مثل روسيا. واشار التقرير إلى أن نجاح الصين في تصدر قائمة الدول المستهلكة للبترول عالميا سيعزز من جهودها للسيطرة على تجارة النفط في كوكب الأرض.