سلك الباحث القدير الأستاذ سليمان الحديثي طريق الدكتور فايز بن موسى البدراني في التنبيه إلى وجود وخطر ظاهرة تزييف القصائد الشعبية القديمة، إذ كتب مقالاً حذّر فيه من جريمة "تزوير الشعر النبطي"، مُستعرضاً أسباب تزييف القصائد والأبيات المغشوشة التي تُدس بين أبيات القصائد الصحيحة، كما ساق عديدا من النماذج لتلفيق قصائد لشعراء شعبيين كبار، وأشار بإيجاز إلى تجربته الخاصة مع "الملفقين" وإلى تجارب زملائه الباحثين مع شعراء "معاصرين يقومون بتحريف وتزوير واختلاق الأشعار لإضفاء أمجاد على الأجداد، أو لتشويه أجداد المنافسين، ولتغيير واقع التاريخ، وقلب الهزائم إلى انتصارات، وانتصارات الآخرين إلى هزائم". ومن الرائع أن الحديثي لا يكتفي بالتحذير، ويرى أنه مجرد خطوة أولى ينبغي أن تليها خطوة أهم تتلخص في اقتراح رائع هو مشروع "نشر شعرنا النبطي بشكل علمي"، وقد ختم مقاله بالتأكيد على أهمية مشروعه المقترح الذي وضع له "منهجية متكاملة" وما زال في انتظار تبنّيه وتنفيذه من الجهات الثقافية. ومن النماذج التي أوردها الحديثي على تزوير الشعر النبطي، وقد يتعجب منها القارئ، أن أحد الرواة المعروفين الذين اعتمد عليهم الشيخ حمد الجاسر في تدوين الأشعار النبطية اعترف، بعد مدة من صدور مروياته ضمن كتابٍ للشيخ، بأنه "عدّل وبدّل" في بعض القصائد بحسن نيّة، وذكر أن هدفه لم يكن التحريف، وإنما أراد "ألا يأخذ القارئ فكرة خاطئة عن مجتمعنا السابق عندما يقرأ أشعاراً غزلية خصوصاً لفتيات يعرضن القُبلة لمن يبدي بسالة وشجاعة في المعارك، أو عاشق متيم. لذلك كان يضيف أبياتاً توحي بأن ذلك كان على سبيل المزاح"! وفي كل زمن يمكن للباحث أن يُقابل رواة يزعمون أن تزويرهم للأبيات أو تساهلهم في قبول إضافات دخيلة على النص الأصلي كان بقصدٍ حَسَن، وقد ذكر الصولي خبر عمرو بن أبي قطيفة، الذي دفعه تعصبه لأبي تمام إلى ركوب حيلة "الأحلام والمنامات"، فهذا الراوي حاول الدفاع عن المطلع المشهور الذي انتقده بعض النقاد: كذا فليَجلَّ الخطبُ وليفدحِ الأمرُ فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عُذرُ فقال: "رأيتُ أبا تمام في النوم فقلتُ له: لم ابتدأت بقولك: كذا فليجل الخطب...". فقال لي: ترك الناسُ بيتاً قبل هذا، إنما قلت: حرامٌ لعينٍ أن تجفّ لها شُفرُ وأن تطعم التغميضَ ما أمتعَ الدهرُ" وقد نقل بعض الرواة قصيدة أبي تمام بهذا المطلع المزعوم، ولا شك أن من الخيانة تساهُل الراوي في قبول ونقل المرويات المزيفة التي تأتيه في "مناماته" أو توافق "أمنياته" أو رغبات بعض المزيفين حوله ممن يبررون للتزييف بترديد عبارات مثل: "ما الذي يمنع أن يكون الشاعر قد قال هذه الأبيات؟"، فالتساهل سيؤدي حتماً إلى اختلاط الصحيح مع الفاسد مع مرور الزمن، وسيكون في ذلك تجنٍّ على المبدعين وعلى إبداعهم.