تشريع الأنظمة والقوانين وسنّها قد لا يتطلب جهودًا عبقرية، ولا شخصيات نادرة في إحداث التغيير، إذ أن رسم الواقع وتصوره وكتابة خططه، وتقرير نماذجه ليس عصيًا على الأفراد وبأعداد وافرة في المجتمعات، بل إن صعوبة الأنظمة والقوانين تكمن في تطبيقها وتحفيز العمل بها، وتفعيل دورها، والقارئ والمتفحص لكل المشاريع النهضوية، والإدارات الناجحة، ولكل مسؤول ترك بصمة في موقع عمله شهد له بها التاريخ والأقران والمعاصرون، هم الذين لم يكونوا مجرّد صانعي أنظمة ومشرعيها، ولا كاتبي نصوص قوانين، بل هم الذين أفنوا زهرة أعمارهم في محيط عملهم بالإنجاز وحده، وبتطبيق الأنظمة بشموليتها وتفاصيلها ودقائقها وصعوباتها! ومن ينسب القصور في الأعمال في أي قطاع كان نظير عجز في سن الأنظمة والقوانين لم ينصف حقيقة الأزمة والمشكلة، بل تغاضى أو لم يلمح بعين الفاحص والمدقق أن سبب الترهل ليس قرين الأنظمة وحدها، بل هو يكمن في عجز التطبيق لتلك القوانين والنصوص، إننا بحاجة لثورة في عالم التطبيق والتمكين، وأن ننتقل من البراعة في كتابة النصوص إلى البراعة في عالم المحسوس.إننا نحتاج للمسؤول الميداني أكثر من المسؤول المكتبي، لأن المرؤوس إذا شعر بعين رقابة أكبر مرجعيات المؤسسة ينزل الميدان، ويباشر الحالات، ويلم بالتفاصيل، ويحاسب ويوجه ويكافئ، فستتغير عقلية وأداء ذلك الموظف الذي يجلس في آخر سلم الوظائف، وهكذا هم أكثر المسؤولين تأثيرًا، هم الأكثر تطبيقًا للقوانين وتتبع العمل بها في الحياة الواقعية!.