الوقف في سبيل الله قربة عظيمة يتقرب بها العبد لمولاه، ويحسن إلى خلق الله، ويحسن قبل ذلك إلى نفسه، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل أصحابه يوما، فقال: أَيُّكُمْ مالُ وارِثِهِ أحَبُّ إلَيْهِ مِن مالِهِ؟ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما مِنَّا أحَدٌ إلَّا مالُهُ أحَبُّ إلَيْهِ، قالَ: فإنَّ مالَهُ ما قَدَّمَ، ومالُ وارِثِهِ ما أخَّرَ. رواه البخاري. وعلى هذا فإن المال الذي يبقى للمسلم وينتفع به بعد موته ويستظل به يوم القيامة هو ما قدمه لآخرته من القربات والطاعات، وأعظمها وأكثرها أجرا وأدومها هو الوقف في سبيل الله، فإن بعض المسلمين قد فتح الله عليه من الأرزاق والخيرات ما لو أنفق منه في كل يوم آلافا ما فني ولا نفد. "الشيطان يعدكم الفقر والله يعدكم مغفرة منه وفضلا"، وكم سمعنا ورأينا عجبا من بركات الصدقات والأوقاف على أموال الواقفين والمتصدقين، فهذا أحدهم يوقف ثلث ماله، فإذا برأس ماله يتضاعف خلال أشهر أو سنوات محدودة، والأمثلة على ذلك أشهر من أن تذكر، ومما يعين المسلم على الوقف في سبل الله عدة أمور، منها: أولا: تذكر ما أعده الله - جل وعلا - للمنفقين في سبيله من الأجور العظيمة والحسنات المضاعفة والخيرات الكثيرة، ويكفينا في ذلك قوله سبحانه: "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"، وقوله تعالى: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم". ثانيا: ما يلقاه المسلم من انشراح في صدره وطمأنينة في قلبه وسعادة وبركة في أهله وماله وولده. ثالثا: تذكر ما ينال المسلم من دعوات الصالحين والمحتاجين والمستفيدين من الوقف على مر الأزمان ما دام الوقف قائما. رابعا: الاعتبار بحال الذين سوفوا وتأخروا عن الوقف في حياتهم، وأوكلوا ذلك إلى أولادهم الذين ربما اختلفوا وانشغلوا بالتركة وعد الأموال، فصار عليه غرمها ولهم غنمها والقصص في هذا كثيرة. خامسا: أن يسأل المرء نفسه كم يبقى له في هذه الحياة؟ وعندما خلق وولد هل كان له منها شيء؟ فليأخذ معه ما يعينه الله عليه ليبقى له أجره وثوابه وبركته عليه في الدنيا والآخرة. سادسا: أن يزيد المسلم من أولاده ولدا يسميه الوقف، فيحسب ما قد ينال أولاده من التركة لنفرض أن عدد أولاده أربعة فليقل إن عدد أولادي خمسة، ويجعل الولد الخامس هو الوقف، فيصرف للوقف مثل ما يصرف لولده ويعتني به ويرعاه وينميه ويصرف منه في سبيل الله. سابعا: أن ينشئ المسلم وقفه أثناء حياته، ويجعل العمل عليه والصرف والاستثمار في حياته حتى يتبعه على ذلك أبناؤه وربما وفقهم الله فأوقفوا مثله. ثامنا: ومما يعين المسلم على الوقف أن يعلم أن له حق الإفادة من وقفه والصرف منه على نفسه وعلى ولده ما دام حيا، وله أن يجعل من مصارفه رعاية المحتاج من أولاده وذريته ونحو ذلك. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.