ظهرت في الآونة الأخيرة أنواع جديدة من تتبع العورات مع تصاعد التقدم التقني واستخدام وسائل التواصل الحديثة، وهي ظاهرة تستوجب الاهتمام والحديث عنها، حيث يوجد أشخاص يحرصون أشدّ الحرص على طلب وتحري أخبار الناس ومعرفة تفاصيل حياتهم، ولا يهدأ لهم بال إلا بعد محاولة معرفة خصوصيات غيرهم، والاطلاع على أسرار حياتهم، والكشف عما يكرهه الآخرون من إظهاره، ومن جملة وسائل تتبع العورات ما يعرف بالترصد البصري الممقوت، وهو نوع من أمراض العصر المقيتة، حيث تجد أحدهم يترصد لك من خلفك أو من حولك، فيحملق فيك وأنت تكتب رسالة عبر الهاتف، أو يتعمد معرفة اسم المتصل بك، ولا شك أنه أمر منفور عند أهل الطباع السليمة؛ لأنّ مراقبة الناس بهذه الطريقة أمر يُفسد ولا يصلح إذ يترتب على التفتيش الكثير من المحظورات كطلب الريبة، وهي التهمة في الناس بنية الكلام عنهم وفضحهم، وقد حثّ الشارع على التغافل وعدم تتبع الهفوات، والستر على عيوب الناس مهما أمكن؛ لأن بذلك يحصل الانتظام في المجتمع، فقلّ مَن يسلم من عيب، ولو عامل الفرد من حوله بكلّ ما عرفه أو اطلع عليه أو ظهر منهم لاشتدت عليهم الأوجاع، واتسع الفساد، وكثرت الغيبة، والغالب أنّ من كان حريصاً على معرفة هفوات وعيوب غيره ينشغل بذلك كثيراً عن إصلاح نفسه وتزكيتها، ويجازيه الله سبحانه وتعالى بسوء صنيعه، فمن يحاول كشف مساوئ غيره فإن الله عز وجل سيجازيه من جنس عمله، فيكشف عيوبه، ويُطلع الآخرين على ما يكره إظهاره، والإنسان اللين الميسور هو من يقبل ممن حوله ميسور أخلاقهم، ولا يتتبع هفواتهم حتى لا يكشف الله عيوبه، ولا يستقصي عليهم زلاتهم حتى لا يستقصي الله عليه، كما أن التفكير الذهني الذي يستغرقه أحدهم في تتبع أخبار الناس ومحاولة الوصول لمعرفة حياتهم تفكير لا يخرج من نفس سوية، ولا يعقبه سوى ألم يشعر به ولو بعد حين، فلأجل الله: غضوا الطرف عن عيوب أصحابكم، ولا تؤذوهم ولا تتطلعوا على خصوصياتهم، وتعاملوا معهم بإنسانية، فالناس في زماننا أحاطتهم المواجع من جميع الاتجاهات، وغضوا أبصاركم عن الترصد البصري، فالترصد البصري الممقوت أمرٌ منفور وخلقٌ وضيع.