يصادف تاريخ 20 يونيو هذا العام مرور 50 عاما على رحيل الصوت الخاشع، الصوت الباكي المبكي، الشيخ محمد صديق المنشاوي، نشأ في أسرة قرآنية عريقة فأبوه الشيخ صديق المنشاوي هو الذي علمه فن قراءة القرآن الكريم وقد وضع أبوه الشيخ الجليل صديق المنشاوي هذه المدرسة العتيقة الجميلة والمنفردة بذاتها وبإمكاننا أن نطلق عليها (المدرسة المنشاوية) حيث اشتهر الشيخ محمد بقراءته بمقام النهاوند والذي أبهر بها المصريين وصار علما من أعلام خدام القرآن وقد استمد الشيخ محمد من تلك المدرسة الكثير الذي كان سببا في نجاحه بعد صوته الخاشع ولقب الشيخ محمد صديق المنشاوي بالصوت الباكي. قال عنه إمام الدعاة الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي إنه ورفاقه الأربعة المقرئين الآخرين يركبون مركبا ويبحرون في بحر القرآن الكريم ولن يتوقف هذه المركب عن الإبحار حتى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها، ذاع صيته ولقي قبولاً حسنا لعذوبة صوته وجماله وانفراده بذلك، إضافة إلى إتقانه لمقامات القراءة، وانفعاله العميق بالمعاني والألفاظ القرآنية، وللشيخ المنشاوي تسجيل كامل للقرآن الكريم مرتلا، وله أيضا العديد من التسجيلات في المسجد الأقصى والكويت وسورية وليبيا، كما سجل ختمة قرآنية مجودة بالإذاعة، وله كذلك قراءة مشتركة برواية الدوري مع القارئين كامل البهتيمي وفؤاد العروسي وفي العام 1966 أصيب بمرض دوالي المريء ورغم مرضه ظل يقرأ القرآن حتى توفي -رحمة الله عليه- في يوم الجمعة 5 ربيع الثاني 1389 ه، الموافق 20 يونيو 1969م . ولبى "المنشاوي" دعوة رؤساء بعض الدول للقراءة في الخارج، كدعوة الرئيس الإندونيسي أحمد سوكارنو، التي لباها برفقة نظيره الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، فبكى أثناء تلاوته لبكاء الجمهور المتواصل، ومنحه سوكارنو وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، وحصل على وسام الاستحقاق من الطبقة الثانية من سورية. وقد حفلت حياة الشيخ المنشاوي بعدة محطات مهمة في حياته لا تنسى، منها أنه في بداية حياته كان أجره "جنيها" عن الليلة، وبعد أن قام بإحياء ليلة عند أحد الباشوات وكان الباشا قد جهز له "الجنيه" في جيبه، ولكنه أخطأ وأعطى له "مليما" كان في جيبه أيضا ووضعه في جيب الشيخ، وبعد أن وصل المنشاوي لبيته اكتشف ما حدث، وكان الباشا أيضا قد اكتشف ما فعله مع الشيخ، وفي الحال قام الباشا بإرسال أحد خدمه مسرعا لبيت الشيخ ومعه الجنيه وعندما وصل الخادم لبيت الشيخ أخبره بما حدث ومد يده بالجنيه إليه لكن الشيخ المنشاوي رفض استلام الجنيه قائلا للخادم: عد كما أتيت وهذا هو رزقي ولن أرفضه، ولم يرضَ أن يبدل المليم بالجنيه وهب حياته لتلاوة القرآن الكريم حق تلاوته، وتجويده أحسن ما يكون التجويد، فعاش بالقرآن، وعاش مع القرآن.