سؤال مرهق.. وإجابات متعبة.. في غالب الأمر.. اليوم برأيي كل شيء أصبح وأمسى يربي أبناءنا إلا الوالدين.. ما يحدث حولنا زخم هائل، وطفو مريع، وتدفق متصل من المؤثرات. تأملوا من يربي اليوم ويؤثر حقاً في تفكير ولغة ووعي أولادنا وبناتنا.. وكيف يمكن أن تكون هناك برمجة تربوية محفوفة بالغرابات والفراغات الأخلاقية التي لا تراعي القيم التربوية المنشودة حقاً. هذا الجهاز التلفازي الممتلئ بالقنوات يربي.. صار يجذب فيتحدث ويتكلم مع الأبناء ويمنحهم خيارات وأفكاراً متعددة.. أفلاماً ومسلسلات وبرامج ومضامين ملوثة بلغة رخيصة ومشاهد فاضحة تحاول تصوير أن ما يحدث في قصصها هو الواقع الكبير الدائم. أجهزة ذكية جعلتنا أغبياء ألهبت الحواس وجعلتها في فوضى من الإحساس والاستشعار بقيمة الأشياء وحقائقها الصادقة فاختل الأمر، وتبدل التفكير، وتحولت الرؤى.. عقول دفنت واندلقت قلوب في كل محتوياتها السقيمة بطريقة مجنونة. تطبيقات وبرامج وألعاب مصممة بلا أخلاق ولا وعي تحث على الصراع والدماء، وتدعو للعنف، وتوجّه إلى التبلد، وتدفع إلى أحاديث السقوط، وألفاظ التفاهات، وصناعة النيات السوداء. وسائل تواصل اجتماعي اغتصت بمحتويات، مآل غالبها إلى لهث خلف شهرة، وجري وراء سمعة وتجارة، وسقوط ذاتي عند الكثير، وكسر الخصوصية، وتجنب الحياء، وفضح الأنا، وملاحقة التفاصيل العابثة، ونشر اللامقبول واللامعقول. رفقة سوء (أصدقاء، أقارب، زملاء) من نوع جديد تتجه طموحاتها إلى إشباع الذات بالملهيات والترفيات لا تريد أن تعمل ولا أن تستقيم حياتها.. تقبع ما بين أفكار وحياة اللاشيء، تتناقل بينها حالات فكرية محدودة لا تستوعب ولا تتوعى بالأهم والمهم والأقل أهمية.. يعطلون النشيط، ويوقفون المتحرك، ويحبطون المتطلع.. المهم يعيش للعيش فقط بلا هدف ولا طموح ولا مسؤولية، فينقل مبادئه وقناعاته لزملائه في ساحة المدرسة أو الجامعة.. ويبث أهواءه واختياراته لأصدقائه في السهر والكوفي شوب. تسأل: أين الوالدان؟ أين التربية.. المتابعة.. الرعاية.. التوجيه.. المسؤولية.. ستجد أن الكثير من أولئك سقطوا في الفتنة والاختلال معهم، فأهملوا حقيقة التربية، وواقع المتابعة المسؤولة بأفكار تأثروا بها ومنها بسبب كل ما سبق أيضاً.. ليثبت أن حتى بعض الآباء يحتاجون إعادة برمجة تربوية لواقعهم وفهمهم للتربية وعلاقاتهم مع أبنائهم.. خصوصاً من تعذّر بأفكار غريبة مبنية وشاذة تقوم على الخلط بين الوصاية والرعاية وبرر بادعاء الحرية والخيارات أو تهرب بالعجز والكلل عن مسؤوليته. لذا فإن ما يحدث اليوم هو هروب كثير من الآباء عن تحمل مسؤوليتهم بمبررات غثيثة غير مقنعة متجاهلين الأمانة.. ويرمون على الأطراف الأخرى لتربية أبنائهم.. كذلك هم غافلون عن تأثير كل المؤثرات والتقنيات والترفيهيات التي يوفرونها لأبنائهم بلا رقابة ولا إحساس حقيقي. ويبقى القول: إبراء الذمة منوط بحسن التدبير ومواصلة الرعاية لمن يرعاهم الفرد.. والوالدان بسلوكهما وتوجيههما وفهمهما وقناعتهما هما من يشكلان الوعي الأولي لأبنائهما قبل أي طرف آخر.. لذلك على الوالدين إدراك أنهما سيتحملان نتائج ما يحدث لأبنائهم مستقبلاً في كل الحالات، أهملوا أو أصلحوا، أصابوا أو أخطؤوا، نجحوا أو فشلوا.. فهل نحن منتهون؟