لم يكن أحد يشك حتى زمن قريب في أن الكوميديا الخليجية قد تفوقت على أقرانها في الكوميديا العربية، حتى إن هناك من أكد أن صناعتها قد ارتكزت على مبادئ درامية، لم يحسن كثير من العرب ضبطها، فكانت وفق ذلك عند حسن الظن، من حيث قدرتها على انتزاع الضحكة المعبرة بجسارة الطرح وصدق الموقف، بعيداً عن التهريج والاستخفاف بالآخر. ولنا عمالقة متمكنون مثال على ذلك، فحسين عبد الرضا وجيل العمالقة في الكويت مع الجيل المتوثب في السعودية من أبناء طاش ما طاش قد أثروا الساحة وقدموا أعمالا ما زالت في الذاكرة، ولن تغادر أذهانهم تلك المصداقية الكوميدية التي كان عليها درب الزلق والحيالة والأقدار وطاش ما طاش في أجزائه العشرة الأولى.. لكن ماذا يحدث الآن من قبل الكوميديا الخليجية خلال شهر رمضان الكريم، إن هدفهم أصبح الوجود والتكسب، وفق تفاهات، لا يسعك المنظر أن تتجنبه فقط، بل تخجل من كونك تنتمي إليه كخليجي. لن أفصل في الشأن الكويتي الذي أعياه بعض كوميديه ومن شابههم سقوطا وتهريجا حد عدم احترام المشاهد، ينطبق الحال على بعض كوميدينيا من سقوط ذريع فاق حد الاستخفاف بالمتابعين عبر مشاهد لا تحضر حتى في النكت الوقتية العابرة، فلا ترابط في أحداث أعمالهم ولا معنى لتفصيلاته.. كل ما في الأمر تجميع إسكتشات الهدف منها انتزاع الضحكة قسراً من المشاهد، وحتى الأخيرة لم تتسن لهم، وكأنها "تنكيت" مرتجل وليست مشاهد تم العمل والصرف عليها طويلا. الآن، هل حق لنا أن نعلن سقوط الكوميديا الهادفة الصادقة وتحولها إلى التهريج و"النكت البايخة" عبر الشخصيات والكركترات المكررة "حد الملل"، الذين لن يسعهم إلا أن يحضروا كل رمضان؟ ولن نلومهم؛ لأن آلية التقييم للمسلسلات الخليجية يحكمها اسم الممثل وليست ماهية العمل المقدم! نتحسر على زمن عبدالرضا والنفيسي، وما كان عليه القصبي الذي يحضر الآن بأفضل حلة تراجيدية عبر مسلسله الرائع العاصوف، فهل هرمت الكوميديا الخليجية بانضوائها تحت آلية الربح السريع لأجل الظفر بجزء من كعكة رمضان؟ فما يحدث قد حيّرنا وأثار في دواخلنا كثيرا من الاستفهامات، ومع ذلك ما زالت للأمل بقية بأن الفن الكوميدي الخليجي الراقي.. وسط النداءات والاستجداءات المتكررة بأنه لا بد أن يعود. ثمة شأن مهم في الأمر وهم أصحاب الشأن والقرار في التلفزيونات الخليجية القائمين على اختيار الأعمال من خلال تقييمها والموافقة عليها.. ونسألهم؟.. هل أصابهم الانحدار التقييمي والتقويمي إلى حد أنهم غير قادرين على وضع الشروط المناسبة للأعمال التي سيعرضونها؟!.. ما زلنا في انتظار الإجابة حتى لا نُحضّر أنفسنا للسير في جنازة الكوميديا الخليجية الراقية!