في لحظات حرجة تمر بها المنطقة العربية، تنطلق اليوم الخميس في مكة المكرَّمة أعمال قمتي "الخليجية والعربية" التي دعت لها المملكة العربية السعودية؛ وسط متابعة وترقب وانتظار للمواقف التاريخية الجادة التي تنبثق عن كل قمة من هذه القمم، بما تهدف إلى بلورة موقف موحد تجاه القضايا والأحداث الجارية في المنطقة لحماية الأمن الوطني للدول العربية والإسلامية، خاصة في ظل التصعيد الخطير في الممارسات الإيرانية الأخير في منطقة الشرق الأوسط ما يقتضي موقفا إسلاميا وعربيا وخليجيا حازما في مواجهتها. ويشهد يوم غدٍ الجمعة انعقاد القمة الإسلامية في دورتها العادية الرابعة عشرة تحت شعار "قمة مكة: يدا بيد نحو المستقبل"، بحضور 56 من قادة وممثلي الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي؛ لبحث العديد من الملفات على رأسها أهداف المنظمة وبرنامج العمل الجديد الذي يشمل 18 مجالا من المجالات ذات الأولوية، وهي قضايا السلم والأمن، وفلسطين، وسورية واليمن وليبيا والجزائر والسودان، وكذلك الفقر، والإرهاب، والأمن الغذائي، والعلوم والتكنولوجيا، وتغيّر المناخ، والتنمية المستدامة، والتناغم بين الأديان، وتمكين المرأة، والعمل المشترك في المجال الإنساني وغيرها من القضايا التي تشغل العالم الإسلامي. الخطر الإيراني وتعتبر القمة الإسلامية التي تعقد غداً الجمعة هي القمة الإسلامية الثانية التي تستضيفها المملكة منذ تأسيس المنظمة في سبتمبر 1969م، حيث عقدت في يناير من العام 1981م قمة مكة والتي أكدت عدم جواز انفراد أي طرف بحل لقضية فلسطين خاصة، والصراع العربي الإسرائيلي عامة، كما ناقشت الوضع في أفغانستان وفي لبنان والنزاع العراقيالإيراني. بينما تأتي القمتان "الخليجية والعربية" بشكل طارئ؛ لبحث تداعيات الهجوم التخريبي والإرهابي الذي طال سفنا تجارية في المياه الإقليمية لدولة الإمارات، إضافة إلى ما قامت به ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران من هجوم إرهابي استهدف منشآت لضخ النفط بالمملكة. وتستعرض القمتان المستجدات الأخيرة في المنطقة وسبل تحقيق الأمن والاستقرار والقضاء على أذرع إيران، فضلا عن مناقشة سبل الخروج من المحن التي تعصف بالكثير من دول المنطقة. وتعد الرؤية السعودية تجاه هذه القضايا الإقليمية واضحة وصريحة، حيث اتخذت المملكة خطوات جادة ضد جميع المحاولات الرامية إلى النيل من أمنها ومن استقرار المنطقة، وحرصت على التنسيق الأمني والاستراتيجي لمواجهة التهديدات الإيرانية. تصاعد التوترات وعن توقيت عقد القمم قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط: إن المنطقة كلها تتعرض لأحداث ساخنة إلا أن ما حدث من تطورات أخيرة تمثلت في استهداف المملكة والأماكن المقدسة بالطائرات دون طيار، وكذلك حادث السفن في المياه الاقتصادية للإمارات العربية المتحدة، كل هذا كان وراء الدعوة لعقد قمة طارئة في مكة لمناقشة هذه التحديات، وغيرها من القضايا مثل تصاعد التوتر بين الولاياتالمتحدة الأميركية وإيران، وما يتردد بشأن قرب إطلاق ما يسمى "صفقة القرن". وأكد أبو الغيط أن المملكة استشعرت الخطر لكل تلك الأحداث وقررت الدعوة لعقد قمة طارئة، وقامت بالتنسيق مع جامعة الدول العربية، وقامت الأمانة العامة للجامعة بالتنسيق مع الأعضاء حيث تشترط اللائحة لعقد الاجتماع الطارئ موافقة ثلثي الأعضاء، وبالفعل وافق أكثر من 14 عضوا على الاجتماع الطارئ. وضع حرج وقال نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة د. مختار غباشي: إن القمم الثلاث قمم الضرورة وقمم لحظة الخطر، حيث أن استهداف 4 ناقلات نفط قرب ميناء الفجيرة -وهو ميناء جاهز لتصدير مليون و200 ألف برميل نفط يومياً- ثم وصول طائرات مسيرة لعمق 1200 كم داخل أراضي المملكة واستهداف منشآت النفط هي لحظات في منتهى الخطورة، وهي رسالة أرسلها الحوثيون ضمن ما يسمى "بنك الأهداف" لاستهداف 299 هدفا في جغرافيا أراضي المملكة ودولة الإمارات، هذا الأمر دعا المملكة أن توجه الدعوة إلى هذه القمم في وضع خليجي وعربي حرج بتجاذباته وارتباط بعض القوى فيه بقوى إقليمية وقوى دولية وحالات السيولة أو الصراعات الموجودة في بعض الدول العربية، ناهيك عن القمة الإسلامية والجميع يعلم أن هناك خلافا وتوترات بين الدول الإسلامية الأكبر. وأضاف أن القمم الثلاث تنعقد في ظل اختلافات جذرية بين كثير جدا من دولها خاصة الدول الرئيسة فيها، متسائلا: "هل سيكون هناك التئام للبيت الخليجي وأخذ قطر بعيدا عن يد إيران وتركيا؟ وهل سيكون هناك توفيق ما بين دول العالم الإسلامي الكبار في ظل هذا الواقع الصعب الموجود في المنطقة العربية؟ وهل سنرى شكلا من أشكال التوافق العربي حول رؤية واحدة للقضايا الموجودة فيها؟" من وجهة نظري المسألة ليست هينة والوضع خطر للغاية. الدعوة للتوحيد ورأى وزير الاقتصاد المصري الأسبق د. مصطفى السعيد أن ما حدث في البلاد العربية خلال السنوات العشر الأخيرة استنزاف كامل للثروات في نزاعات وشراء أسلحة وعدم استقرار، وحان الوقت أن تجتمع الدول العربية والإسلامية والخليجية لاتخاذ قرارات تتفق مع الحفاظ على الثروة الموجودة في هذه المنطقة لتحقيق التنمية الحقيقية، والوقت قد حان لذلك، لأنه من غير المعقول أن تبدد الثروة على هذا النحو. وأكد د. السعيد أن المبادرة بتجميع كل هذه الشخصيات ليست لمجرد الشجب للوضع الحالي، فالمنطقة تحتاج إلى استقرار وأمن وتوحيد المنطقة والوصول إلى اتفاقيات عدم اعتداء واحترام كل دولة سيادة الدولة الأخرى من دون محاولة لزعزعة الاستقرار، لافتاً إلى أن الأعداء الحقيقيين للمنطقة يعملون على تحقيق مصالحهم على حساب الدول العربية، ولا بد أن نعي ذلك ونحرص عليه. التغلغل الإيراني وقال الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسيّة جامعة القاهرة د. أحمد يوسف: إن العالم العربي والإسلامي يمر بظروف صعبة ولا بد له أن يتنبأ ولا يتقاعس عن أداء دوره في توحيد الصف وإلا سيعاد تقسيم العرب مرة أخرى لأن العالم العربي مشتت وبالتالي القمم تأتي في وقت ضروري تتغلغل فيه إيران في المنطقة وتقيم جبهة مع دول عربية، وهذه الدول العربية يجب أن تدرك أنها ذاهبة إلى الضياع. وأكد د. يوسف على أن المملكة تقوم بدور كبير جداً في مواجهة إيران وفي مساعدة الدول العربية التي تأثرت ب"الخريف العربي"، مشيراً إلى أن المنطقة تواجه عدوا عنصريا ما زال يمد ليبيا بالسلاح ويمد يده في العراق وسورية واليمن ولبنان. قبلة المسلمين وأوضح الخبير العسكري المصري ورئيس المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية العميد سمير راغب أن المملكة هي القاسم المشترك ما بين الثلاث انتماءات، فهي دولة خليجية تمثل القيادة للدول الخليجية وهي قبلة المسلمين والقيادة لمنظمة التعاون الإسلامي بالإضافة أنها دولة عربية كبرى وتمثل أحد أعمدة المنظومة العربية، وتواجه النصيب الأكبر من التحدي للأمن الخليجي والعربي وما يتعلق بأمن الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي. وأكد راغب أن القمم تأتي في توقيت مهم جداً، سواء من التهديدات الإيرانية أو الأطراف غير العربية أو الأطراف العربية المارقة مثل قطر التي تستهدف إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة وهو ما يؤدي إلى قبول العرب بالأمر الواقع أو استنزاف مواردهم في حروب بالوكالة تقودها إيران في العراق وسورية واليمن ولبنان، كل ذلك يؤكد أنه قد آن الأوان لحشد عناصر القوى في دوائر الانتماء الثلاثة التي تتأثر جميعها بالدائرة الخليجية وما يحدث فيها، وبالتالي استقرار الخليج عنصر محوري يؤثر في كل الدوائر ولن نبالغ إذا تحدثنا عن أن العالم بالكامل يتأثر حيث إن 40 % من مصادر النفط تأتي من الخليج العربي وبالتالي استقرار الخليج العربي هدف عالمي، وتبقى دائما المملكة العربية السعودية هي صاحبة الشأن الأول سواء بالثقل التاريخي والديني أو المساحة الجغرافية أو الثقل الاقتصادي، ونجد دائما المملكة شريكا رئيسا وداعما لمعسكر الاعتدال في كافة القضايا سواء في ليبيا أو السودان أو مصر أو حتى في لبنان وباقي الدول وتكون دائما رمانة الميزان وعنصر الاتزان. تفعيل التحالفات وشدد العميد راغب على أن هذه القمم ليست قمة تسجيل مواقف، لكنها قمم تفعيل آليات وتحالفات إقليمية واضحة، وليست قمم اللعب على الحبال، مشيرا إلى أن الموقف العربي الواحد أصبح حتميا وليس خيارا، خاصة بعدما أعلن البنتاغون أن الحرس الثوري الإيراني هو من يقف وراء استهداف السفن التجارية، وبالتالي لا بد من موقف مع آليات وقرارات تُنفذ. لا بد أن تكون هناك مساهمة فعلية للدول في تحقيق الأمن القومي لدوائر الانتماء الثلاثة المتقاطعة لضمان الأمن القومي للجميع بما فيه العالم أو الإعلان عن موقفها بوضوح. وجاءت الدعوة لثلاث قمم متتالية "خليجية وعربية وإسلامية" بعدما تصاعدت وتيرة التهديد الإيراني لدول الشرق الأوسط خاصة الخليج، وكذلك التهديد الذي شكلته ميليشيا إيران لمضيق هرمز والتأثير على 40 % من النفط العالمي الذي يمر عبره، وتدل الاستجابة السريعة لعقد القمتين الطارئتين في مكة على المسؤولية المشتركة للزعماء العرب تجاه المخاطر التي تحيط بالعالمين العربي والإسلامي. القمة الثانية وتعتبر القمة العربية الطارئة في مكة هي القمة الطارئة الثانية التي تستضيفها المملكة منذ تأسيس الجامعة العربية، وذلك بعد قمة الرياض التي عقدت في أكتوبر من العام 1976م بدعوة من المملكة والكويت، وبحثت حينها الحرب الأهلية في لبنان، ودعت إلى وقف إطلاق النار وتطبيق "اتفاق القاهرة"، أما القمة الخليجية الطارئة فتعتبر القمة الطارئة الثانية التي تستضيفها المملكة بعد دورة استثنائية عقدت في يناير 2009 بالرياض، بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. الموقف من فلسطين وبالنسبة للقضية الفلسطينية، فإن الموقف السعودي ثابت وراسخ، ورافض للسياسات الإسرائيلية التي لا تحترم القوانين والأعراف الدولية، وتدعو المملكة إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإيجاد حل شامل ودائم وعادل، يبنى على أساس حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وعملت المملكة على مدى عقود عديدة على إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والوقوف بجانب الشعب الفلسطيني الشقيق للوصول إلى حقوقه بإقامة دولته المستقلة.