يبدو أن الشباب الإيراني يواجه منعطفاً تاريخياً حاداً يتسم بتحديد الهوية والأبعاد في المستقبل الإيراني، ففجوة الصراع الشعبية تتفاقم مع معممي نظام الملالي الحاكم وتتسع أبعادها الاحتجاجية بين الأقاليم التي تشبعت ضجراً ويأساً من فكرة الولي الفقيه التي جرتهم إلى أزمة سياسية طاحنة وعقوبات اقتصادية خانقة!. لا شك أن أزمة طهران تكمن في بؤس أديولوجيتها ورجعيتها غير المتلائمة مع أبجديات العصر الحديث، ولكن يبدو أن مصفوفة الخبراء القائمين على صيانة الثورة الخمينية يتجاهلون حقيقة حتمية الأفول لكل تاريخ الأيديولوجيا المتطرفة، ولا يقرؤون التاريخ ويتفحصونه عندما تعيش النظم وتحيا الحكومات مع فكرة المرونة الحاكمية وقبول مبدأ التسامح، وإرساء التعايش مع الآخر، وهذا ما تفتقده منهجية الملالي جملةً وتفصيلاً، فهي تتمنهج على فكرة التصدير الثوري وقمع الآخر. ربما يسجل التاريخ المعاصر أن أكبر جناية تاريخية ضد الإنسانية تقيد بما اقترفه نظام الملالي في حق الشباب الإيراني عندما أجبرهم قسراً على ثورته البائسة وقام بتدجينهم بالأفكار المتطرفة وحقنهم بثقافة الطائفية حتى عادوا إلى أسرهم وأهاليهم توابيت مضرجة بالدماء جراء انخداعهم في الحرب السورية التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل!!، فهذا المشهد المأساوي كان سبباً من أسباب اندلاع الاحتجاجات الشعبية الرافضة لسياسة القمع والإكراه على التجنيد القسري في الحروب العبثية. إن فكرة الدولة الناجحة غالباً ما تتواءم مع المشروع الاقتصادي الذي يدفع بعجلة التنمية الشعبية، ويتوافق مع طموحات الشباب وتطلعات الشعوب، وهذا ما لمسه الشعب السعودي مثلاً في رؤيته الوطنية 2030، خلافاً لما يشهده الشباب الإيراني مع نظامه القمعي القائم على أطروحات ثورية تترسخ على خزعبلات غيبية، ولا تتواءم مع أحلام الشباب وآمالهم المستقبلية، فوسائل التواصل الاجتماعي حتماً قد أبصرتهم على العالم، وأنارت لهم صوراً مما ينعم به أقرانهم في دول الخليج العربي من الاستقرار الأمني والتقدم العلمي والتكنولوجي، ولا بد أنهم يتطلعون إلى عصر ما بعد الملالي، ويحلمون بديلاً يرسم مستقبلهم ويمنحهم رؤيتهم الوطنية التي تتماشى مع تطلعاتهم وأحلامهم. وأخيراً، تقول بعض الدراسات أن البطالة تجاوزت ربع الشباب الإيراني، وأن بعضهم يحلمون بالهجرة إلى أوروبا، بينما بعضهم يؤمنون بفكرة التغيير من الداخل، وهؤلاء يرون في الأزمة الاقتصادية الحالية فرصة سانحة في تأليب الشعب على معممي طهران، فهل سيكون للشباب الإيراني كلمتهم في الأزمة الحالية؟ أم أن قبضة الملالية لا تزال مهيمنة على أوضاع البلاد؟، هذا ما سيكشفه لنا قادم الأيام.