قال الدكتور محمد جاد الزغبي، الباحث في شؤون حركات التيارات الإسلامية: إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب وجه ضربة مزدوجة التأثير للنظام الإيراني بإعادة فرض العقوبات ومنع استيراد النفط الإيراني؛ كونها ضربة اقتصادية ثقيلة في الأحوال العادية نظرا لأن إيران تعتمد بشكل رئيسي على النفط، وتأتي الضربة الثانية في التوقيت الحساس الذي طبق فيه ترمب العقوبات حيث يئن الاقتصاد الإيراني بشدة بعد أن استنزفت حروب إيران الخارجية ودعمها للإرهاب في المنطقة ميزانية النظام. وأشار الزغبي في حوار خاص ل"الرياض" إلى أن محاولات النظام الإيراني ضرب الاقتصاد ومنشآت النفط وسبل المواصلات لن تؤدي لنتيجة مرجوة تعيد لهم مكاسبهم التي خسروها في سورية واليمن وفي الداخل الإيراني نفسه الذي يشتعل بمظاهرات غير مسبوقة.. وإلى نص الحوار: * ما تعليقك على الهجوم الإرهابي الذي تبنته ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران على المنشآت النفطية السعودية؟ * ما أقدمت عليه إيران في عملية ضرب بعض منشآت النفط السعودية عن طريق ذراعها العسكري في اليمن المتمثل بميلشيات الحوثي، لا يمكن أن ننظر إليه بشكل منفصل عن باقي مسار الأحداث منذ تأسيس الخميني لاستراتيجية تصدير الثورة. فعملية ضرب منشآت النفط أمر متوقع منذ عدة شهور وبالتحديد منذ تهديد إيران علنا للسعودية والإمارات، وهو ما تحدثت عنه في وقتها بأن التهديد الإيراني المباشر لن يتم تنفيذه عن طريق العسكرية الإيرانية النظامية بل ستستخدم إيران طريقتها المفضلة في تصدير الإرهاب عن طريق الميلشيات التابعة لها. * وكيف تحلل المشهد الراهن؟ * أولاً: اعتمد الخميني على ثلاث نقاط جعلها الاستراتيجية العظمى لديه وهي نفس الاستراتيجية التي يسير عليها نظام خامنئي حتى اليوم، وتتمثل النقاط الثلاث في (العمالة المستترة للغرب عن طريق اتفاق المصالح، تصدير الثورة الفكرية عن طريق رصد ميزانية ضخمة لنشر التشيع الطائفي، سياسة تصدير الإرهاب واصطناع الميلشيات والتي تأتي لاحقة على تكوين مجموعات طائفية تؤمن بفكر الخميني)، وهذا هو عين ما حدث في إيران حيث جاء الخميني محمولاً على أعناق التأييد الأوروبي والأميركي وبالغ الأميركيون في دعمه للدرجة التي رفضوا معها استقبال الشاه رضا بهلوي -عميلهم الأسير- ليقضي سنوات نفيه بينهم وتعمدوا إذلاله وتحقيره لدرجة مرعبة، رغم أن الأميركيين أنفسهم هم من أنقذوا رقبته من الثورة الشعبية الإيرانية الأولى التي قام بها الدكتور محمد مصدق في نهاية الأربعينيات، وكلفوا رجلهم كيرميت روزفلت للقيام بانقلاب مضاد على محمد مصدق ولم يسمحوا له بالاستمرار، لكن عندما أتت الثورة الشعبية الثانية وركبها الخميني عرفوا أن مصلحتهم مع الخميني ستكون أوثق من الشاه فضحوا بهذا الأخير، وهذا يعطينا دلالة كبرى على أن الغرب عندما يتدخل عسكريا وسياسيا واقتصاديا ضد قائد معين لثورة شعبية فهذا دليل قاطع على أنه ثائر مخلص لبلاده، وبالتالي لا يمكن أن يسمحوا له بالاستمرار، ولهذا أعدموا مصدق، بينما لو شعر الأميركيون أن خطاب الخميني في عدائهم خطاب حقيقي وصادق لأسقطوه كما أسقطوا من قبله وجاؤوا بالشاه من جديد. ثانياً: بدأ الخميني عمالته للغرب مبكرا جدا ونجح في خداع أنصاره بخطابه الثوري ضد الأميركيين بينما كشف لنا المحلل السياسي الكبير محمد حسنين هيكل في كتابه (حرب الخليج) أن الخميني عندما أمر قوات الطلبة بمهاجمة السفارة الأميركية واحتجز بها الرهائن كان يفعل ذلك لإحراج نظام الرئيس الأميركي كارتر الذي يستعد لدخول الانتخابات ضد خصمه القوى رونالد ريغان. فجاءه وليام جوزيف كيسي مدير الحملة الانتخابية لريغان وعقد معه اتفاقا يقضي بعدم الإفراج عن الرهائن ويضمن له دعم ريغان إذا استمر الخميني في حصار السفارة حتى يستشعر الأميركيون ضعف كارتر، وهو ما حدث بالفعل وتم الإفراج عن الرهائن في بدايات عهد ريغان، وتولى بعدها جوزيف كيسي رئاسة وكالة المخابرات المركزية الأميركية ليصبح الاتصال بينه وبين الخميني اتفاقا استراتيجيا على العمالة، وظهر أثر هذا الاتفاق فادحا عندما تفجرت فضيحة (إيران - كونترا) والتي عرف العالم أجمع بعدها أن المخابرات المركزية الأميوكية بقيادة جوزيف كيسي كانت تدعم المجهود الحربي الإيراني ضد العراق بسلاح إسرائيلي يتم تمويله من مخصصات مالية لا تخضع للرقابة الأميركية، وهي أرباح ومخصصات العمليات القذرة التي تمول بها أميركا صفقات التسليح الإيراني. ثالثاً: انهزم الخميني ومشروعه أمام العراق فقام باللجوء مباشرة لسياسة تصدير الإرهاب المتمثلة في عمليته الوحشية المعروفة عندما حاول تفجير الحرم المكي في موسم الحج، وتم كشف العملية قبل التنفيذ ثم هلك الخميني واستمرت السياسة الإيرانية على منهجه. بعد تفجر أحداث ثورات 2011 ودخول الانتفاضة السورية ضد بشار الأسد إلى الأحداث نستطيع أن نقول أن الأمور أفلتت أخيرا من نظام الملالي, خاصة وقد تزامن هذا مع تفجر ثورة الاتصالات والفضائيات وظهور كتائب القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت المتخصصة في محاربة المد الطائفي مما جعل العالم العربي -على مستوى العوام- ينتبه أخيرا إلى خطورة السرطان الطائفي ويسترجع سياسة نظام الخميني ويعالج التاريخ في ضوء الواقع. وزاد الأمر إيجابية أيضا بتفجر الثورة الداخلية في إيران احتجاجا على الأوضاع المعيشية المزرية التي تسبب فيها إنفاق نظام الملالي مليارات الدولارات لدعم الحوثيين ونظام الأسد مما أدى لانهيار اقتصادي غير مسبوق في إيران, وصاحب هذا الانهيار تجدد ثورة شعب الأحواز العربي المقهور من نظام إيران منذ مائة عام, حيث نجح نشطاء الثورة الأحوازية بأوروبا في نشر قضيتهم على مستوى عالمي وكثفوا جهودهم في الداخل العربي ليعرف العالم أخيرا أن هناك شعبا عربيا كاملا اسمه شعب الأحواز، ودولة كاملة بهذا المسمى ترقد رهن الاعتقال والقمع على بعد مرمى حجر من الخليج. * ولكن الوضع الآن يختلف بالنسبة للعلاقة بين النظام الأميركي وطهران.. كيف ترى ذلك؟ * تفجر الخلاف الأميركي الإيراني مع نظام الرئيس ترمب الذي أسقط التحالف الكامل بين نظام أوباما وبين الملالي، وتصور الملالي أنهم يستطيعون الضغط على نظام ترمب ليجبروه على قبول الاتفاق القديم الذي جعل معظم مكاسب حرب أميركا على العراق تصب في مصلحة إيران. ترمب ضرب النظام الإيراني ضربة مزدوجة التأثير بإعادة فرض العقوبات ومنع استيراد النفط الإيراني وتهديد المتعاملين مع طهران بقطع التعاون الاقتصادي الأميركي معهم إذا استمروا في التعامل التجاري مع نظام إيران. * ماذا تقصد بضربة مزدوجة؟ * هذه ضربة مزدوجة لكونها ضربة اقتصادية ثقيلة في الأحوال العادية نظرا لأن إيران تعتمد بشكل رئيسي على النفط باعتبارها كبرى دول الشرق الأوسط في الإنتاج، وتأتي الضربة الثانية في التوقيت الحساس الذي طبق فيه ترمب العقوبات حيث يئن الاقتصاد الإيراني بشدة بعد أن استنزفت حروب إيران الخارجية ودعمها للإرهاب في المنطقة ميزانية النظام، وبالتالي تسبب هذا في ثورة متعددة المواسم للشعب الإيراني على تردى الخدمات، وبالتالي وقع نظام الملالي بين المطرقة والسندان، وأنهت العقوبات دخل البترول في الوقت الذي تحتاج فيه إيران أضعاف هذا الدخل لمعالجة العجز. * هل ترى أن نظام الملالي يستطيع مواجهة هذا الحصار؟ * لجأت إيران في البداية إلى محاولة استمالة أوروبا والصين لتتخطى العقوبات الأميركية لكن أوروبا والصين لن يضحوا بثمانين في المئة من حجم تعاملاتهم الخارجية مع أميركا أمام أقل من واحد بالمئة يمثله تعاونهم مع إيران. ولهذا جاءت زيارة روحاني للعراق مع هذا الوفد الكبير لمحاولة اللعب مع ترمب بالورقة الأخيرة في جعبتهم، واستمر العناد الإيراني معتمداً على غرور القوة المتمثل في قدرتهم غير المسبوقة في تصدير الإرهاب، وكان آخرها تهديد منشآت النفط بعد أن عجزت إيران عن طريق الحوثي في تركيع الخليج ودول التحالف بضرب الأماكن المقدسة في السعودية، وهم هنا يبالغون في اختبار قدراتهم على تحدى العالم أجمع عن طريق تهديد المصالح الحيوية بالمنطقة، ومتوقع أنهم سيستمرون بهذه الحماقات طمعاً في حصد مكاسب أعلى على مائدة التفاوض وهو ما نتصور صعوبة حدوثه. * ما الذي يجب على الدول العربية أن تتخذه لمواجهة تحركات هذا النظام؟ * إن محاولات النظام الإيراني ضرب الاقتصاد ومنشآت النفط وسبل المواصلات لن تؤدي لنتيجة مرجوة تعيد لهم مكاسبهم التي خسروها في سورية واليمن وفي الداخل الإيراني نفسه الذي يشتعل بمظاهرات غير مسبوقة. والمطلوب من النظم العربية استثمار ذلك جيدا هذه المرة عن طريق اتباع نفس الأسلوب الإيراني المأثور وهو الضرب من الداخل، وأمام العرب فرصة ذهبية لذلك وهو مناصرة قضية شعب الأحواز العربي الذي أصبحت قضيته قضية عالمية اليوم بعد أن بلغت وحشية النظام الإيراني مداها بفتح السدود على مناطق الأحواز واستمرار الأحوازيون في الانتفاضة ضد الملالي، لهذا فمناصرة الأحواز ضرورة قصوى ينبغي عدم تضييعها من العرب كما ضاعت سابقا إبان حرب العراق مع إيران، حيث أضاع العرب فرصة دعم الأحواز وقتها للقيام بانتفاضة ضد نظام الخميني المرهق أمام جيوش العراق، أما الآن فالفرصة سانحة بأكبر مما مضى من حيث الظروف الدولية وظروف الداخل الإيراني الممزق، ولو تمكن العرب من دعم الأحواز لوجستياً وسياسياً فسيكون هذا الدعم عاملاً مهماً في لعبة الصراع التي تعجل بسقوط نظام الملالي. د. محمد جاد الزغبي