في ظل نظام اقتصادي يتهاوى تدريجياً ونظام مالي تتزلزل أركانه سيكون المشهد الإيراني بملامح مأساوية قاتمة إذ يتوقع إغلاق المصارف المحلية وستتعثر مشروعات القطاعين العام والخاص نتيجة غياب التمويل المالي الكافي وتزداد البطالة بشكل لافت وتكون البلاد في مأزق مواجهة صعوبة التأقلم مع متطلبات المعيشة اليومية. فمنذ دخول العقوبات النِّفطية والمالية حيز النفاذ في مطلع نوفمبر 2018، قطعت 20 دولة إمداداتها من النِّفط الإيراني، ووصلت صادرات النِّفط إلى النصف مطلع العام 2019، إذ أسهمت الضغوط الأميركية في خفض صادرات النِّفط الإيرانية في مايو 2018، حيث بلغت نحو (1.1) مليون برميل يوميًا. كما توقفت بعض مشروعات تنمية حقول النِّفط والغاز، وتعطلت بعض مشروعات البتروكيميائيات والطاقة المتجددة، وانسحبت كبريات شركات البترول العالمية من السوق الإيراني، وخلال الأشهر الماضية، واجهت إيران صعوبات بالغة في إنجاز تعاملاتها المالية مع الخارج بما فيها تحصيل كافة عوائد النِّفط في ظل الضغوط الأميركية المتواصلة على التعاملات المالية مع إيران؛ وهذا وفق تقرير المعهد الدولي للدراسات الإيرانية. ولا يخفى على الجميع أن الدخل الوطني الإيراني أصبح أسير العائدات النفطية؛ وبات أفراد المجتمع الإيراني يلمس هيمنة الكساد وارتفاع التضخم في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية سواء في بيع السلع والبضائع أو في تقديم الخدمات، وفقدت العملة الإيرانية قيمتها أمام أسعار صرف العملات الأجنبية، وضعفت قدرتها الشرائية على الصمود وهذا يُنذر بموجة تتابع أزمات اقتصادية تفرض شللاً كاملاً في مختلف مفاصل الاقتصاد الإيراني. وبطبيعة الحال؛ فإلغاء الاستثناءات الأميركية سيحفز بشكل ملحوظ على ارتفاع أسعار النفط، ومن المؤكد أن ذلك سيعوض إيران عن بعض خسائرها، وما لم تلجأ الولاياتالمتحدة الأميركية إلى فرض عقوبات صارمة على الدول التي ستجازف وتستورد النفط الإيراني الذي بدأ يعاني من نقص صادراته النفطية؛ فمن الضرورة بمكان لضمان التزام التوقف عن استيراد النفط الإيراني؛ أن تسعى الولاياتالمتحدة الأميركية إلى تأمين بديل عن النفط الإيراني لتلك الدول المستوردة منه، وهذا يؤكد على أهمية الدور الحيوي والمرتقب الذي ستقوم به المملكة والإمارات في جانبين مهمّين: الجانب الأول في توفير ما نقص من النفط الإيراني وسد حاجة السوق العالمية وفق معيار العرض والطلب الذي ينتج عنه ارتفاع في أسعار النفط قد تقفز إلى فوق الثمانين دولاراً للبرميل؛ والتزام الدول الثماني (تركيا، الصين، الهند، اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان، واليونان، وإيطاليا) بهذا القرار الاستراتيجي الهادف إلى إرساء قواعد الأمن والسلم الدوليين من خلال تقليص الصادرات النفطية التي من خلال عوائدها يتم دعم الإرهاب وتمويله ونثر بذور الفتنة وزعزعة الأمن والاستقرار في العالم. والجانب الثاني يكمن في ضمان قدرة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وبقية دول الجوار على سد النقص لدى تلك الدول الثماني وتلبية احتياجاتها النفطية، ودون أي تأثير سلبي جراء تنفيذ هذه الاستراتيجية على الاستقرار في سوق النِّفط العالمي. وفي هذا الشأن سيظل شهر مايو 2019، حافلاً بالإثارة في خضم مزيد من المواجهات السياسية والتحديات الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد الإيراني، سواء تم التمديد أو إيقاف العمل بالاستثناءات ففي كلا الحالتين؛ ستظل إيران أسيرة الحصار الاقتصادي الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة الأميركية وحلفاؤها، من أجل ضمان استقرار الأمن والأمان في منطقة الشرق الأوسط.