لهذا الصوم آدابٌ زائدةٌ على مجرد الإمساك عن الأكل والشرب والوقاع، يجب أن تتوفّر فيه ليستحق فاعله التحلّي بمنقبة الصائم، ومن هذه الآداب الإمساك عن الموبقات وكفُّ المظالم عن الناس، ومن أطلق لسانه أو يده في السيئات والظلم فاتته فضيلة الصوم.. من فضل الله علينا أن منحنا مواسم فاضلة، بأنواع الخيرات حافلة، وأجزل المثوبة في انتهاز فرص هذه المواسم، وأنعش نفوس المتقين بما تحمله من أضوع النسائم، فما إن يقترب أحد هذه المواسم حتى تتلهّف نفوس الموفقين، وتشرئب أعناق المهتدين، يعدُّون الأيام الباقية ويستبطئونها، عاقدين أوثق العزائم أنهم يستثمرونها، وأن لا تنسلخ عنهم إلا وقد اقتربوا من ربهم، وها نحن قد حلّ بنا هذا الموسم العظيم، ألا وهو شهر رمضان (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ)، ورُبَّ حريصٍ على إدراكه قد أخلص النية في قرارة نفسه مُصمِّماً على أنه سيجتهد فيه إذا أدركه، فاخترمته المنية قبل أن يُدركه، ورُبَّ مريضٍ طريح الفراش يتمنّى لو نهض من مرضه، واستعاد عافيته ليُزاحم القائمين على صدور الصفوف، فمن أدركه هذا الموسم وهو معافى في بدنه آمنٌ في سربه، فليستشعر هذه النعمة العظيمة التي حباه الله إياها، وليُبادر إلى استغلال الفرصة، فلا الحياة بخالدة، ولا الصحة بدائمة، ولاستثمار هذا الشهر طرق متنوعة، منها: أولاً: صيام رمضان إيماناً واحتساباً، وهذا من فروض العين، ومن أركان الإسلام، وهو موعودٌ عليه بمغفرة الذنوب، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان، إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه. ولهذا الصوم آدابٌ زائدةٌ على مجرد الإمساك عن الأكل والشرب والوقاع، يجب أن تتوفّر فيه ليستحق فاعله التحلّي بمنقبة الصائم، ومن هذه الآداب الإمساك عن الموبقات وكفُّ المظالم عن الناس، ومن أطلق لسانه أو يده في السيئات والظلم فاتته فضيلة الصوم، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». أخرجه البخاري. ثانياً: قيام رمضان إيماناً واحتساباً، وهو موعودٌ عليه بغفران الذنوب، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه. ويحصل هذا الفضل لمن صلّى التراويح مع الجماعة، ولمن صلّاها بنفسه. ثالثاً: أداء العمرة في رمضان، وهي تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي»، قال ابن العربي رحمه الله تعالى: وقوله: تعدل حجةً معي زيادةٌ في التفضيل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا وقف مع الخلق فدعا ودعوا معه كانت تلك وسيلةً كريمةً إلى الإجابة، فلما استأثر الله تعالى برسوله خلَّف فينا شهر رمضان ننال تلك البركة فيه. رابعاً: الإنفاق وبذل الخير، وينبغي للمنفق أن يتحرّى الزيادة في إنفاقه في هذا الشهر تأسياً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر المبارك، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة». خامساً: تلاوة القرآن الكريم، فهذا شهر القرآن وفيه نزل، وفيه يُدارسُ جبريل نبينا صلى الله عليه وسلم القرآن، فينبغي للمسلم أن يُقوّي علاقته بالقرآن الكريم في هذا الشهر. سادساً: الاعتكاف في العشر الأواخر منه، والاجتهاد في العبادة أثناءها، ففي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه المتفق عليه: «كنت أجاور هذه العشر، ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه»، ولمسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، «إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدّ وشدّ المئزر». سابعاً: تحرّي ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في أوتارها، وليلة القدر خير من ألف شهر، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يقم ليلة القدر، إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه». فحريٌّ بالعاقل أن يحرص على هذه الفضائل العظيمة، وأن لا يُهدر شيئاً منها.