أذكر قصة قرأتها قبل سنوات عن محتال قدم إلى إحدى القرى، وخاطب أهلها بإنه وجد كنزاً من السبائك الذهبية في إحدى المغارات، فسرق انتباه الجميع، وأسر ألبابهم بهذا الخبر المغري، لتبدأ سيريالية الأحلام في صناديق عقولهم التي توقفت عن التفكير في كل شيء باستثناء تفكيرهم بالكنز المتخفي. واستطرد هذا المحتال بأن الوصول إليه يتوقف على شرطٍ وحيد، والفائزون خمسة أشخاص فقط من القرية، سألوه بلهفة الجائع ما هذا الشرط؟! قال: لا بد أن يُقدم كل فرد منكم سبيكة ذهبية ويضعها في أول الغار ليلاً ثم يستدبر ويغادر المكان، والعرض خلال أسبوع واحد فقط، التفتت الرؤوس لبعضها البعض وتلاقت الأعين لتعطي إشارة موحدة بأن هذا الشرط بسيط جداً. جاء الليل بستارته المظلمة، وانشق المحتال نحو الغار ليختفي بداخله، وبدأ أهل القرية بتسلق الجبل تحت معاناة من النصب والتعب حتى يصلوا إلى الغار، ويضع كل شخص سبيكته ويرجع دون أن تدعوه نفسه للتأكد أو التفكير أو حتى الدخول أكثر، بينما كان المحتال مختبئاً خلف صخرة في الغار ويجمع تلك السبائك!. وعلى مدار أسبوعٍ كامل كان الناس كزرافات ترد إلى غار الأحلام، بل ويتشاجرون أحياناً على الأولوية.! مر أسبوع، وقد تراصت مئات السبائك كتلال متلألأة داخل جوف الغار، يطالعها المحتال بنظرة يخالطها الانبهار، ويتحسس قمتها ويداه ترتعشان فرحاً. وفي صباح اليوم الثامن أخذ معه مئة سبيكة ذهبية، ونزل إليهم ونادى يا أهل القرية؛ فتجمع الناس سريعاً، فقال: اليوم موعد المكافأة وعيد الكنز، أعلنها لكم بفوز فلان بخمسين سبيكة، ففرحت عشيرة الفائز بهذا الفوز ودفعتهم للقفز والرقص والأحضان، وبدأ يوزع الخمسين الباقية على الفائزين الآخرين حسب قسمته الباطلة. غادرهم وخلفه أصوات القلة الفرحين، وصمت الخاسرين وحزنهم بعد أن سرق الجميع واستغفلهم!. هذه القصة اليوم قد تكون أكبر مثال على من يسلب جهود الناس ليحقق له ربحاً وفائدة، ولمن يسطو على جهود موظفيه ليحقق له إنجازاً ويستأثر بمصلحة معنوية أو مادية بعد أن أعطاهم وعوداً، ولمن يشرك الناس في مشروع أو مساهمة ثم يجني مالاً يظنه إنجازاً وهو سحت، ولمن يحتكر أرضاً أو سلعة ويمنعها عن الناس رغم أن سبب ثرائه كانت من إنفاق الناس الذين حركوا مياه تجارته، ولكل آلة إعلامية تستخدم المسابقات لترصد ملايين الدولارات في حساباتها البنكية، ومن ثم ترمي شيئاً من الفتات على متسابق واحد معلنة تحقيق حلمه، فكونوا واعين، لا صلصالاً يلعب في تشكيله المنتفعون!.